للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما انقضى القتال أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسحب القتلى إلى القليب «١» ، وكانوا أربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش*، فقذفوا فيه، ثم وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:

يا أهل القليب، بئس عشيرة النبى كنتم لنبيكم، كذّبتمونى وصدّقنى الناس، وأخرجتمونى واوانى الناس، وقاتلتمونى ونصرنى الناس، يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربّكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدنى ربى حقا. فقال له أصحابه:

أتكلّم قوما موتي؟ قال: لقد علموا أنّ ما وعدهم ربهم حق» .

وعاد النبى صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وكانت غيبته تسعة عشر يوما، وأرسل زيد بن حارثة بشيرا، فوصل إلى المدينة وقد نفضوا أيديهم من تراب رقية بنت النبى عليه الصلاة والسلام، وكان عثمان تخلّف في المدينة بأمره صلّى الله عليه وسلّم لسببها.

وفيها «٢» هلك أبو لهب.

وكانت وقعة بدر المذكورة صبيحة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، فى السنة الثانية من الهجرة.

مقتل النضر ورثاء أخته له: لما وصل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصفراء راجعا من بدر، وأمر عليا بضرب عنق النضر بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى القرشى العبدري، وكان شديد العداوة للنبى صلّى الله عليه وسلّم، وإذا تلا صلّى الله عليه وسلّم قرانا، يقول لقريش: ما يأتيكم محمد إلا بأساطير الأولين. فلما قتل النضر أنشدت أخته النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- واسمها قتيلة- هذه الأبيات:

يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة ... من صبح غادية وأنت موفق

أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النجائب تعنق

منّى إليه وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق

هل يسمعنّى النضر إن ناديته ... إن كان يسمع ميت لا ينطق

ظلّت سيوف بنى أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقّق

قسرا يقاد إلى المنية متبعا ... رسف المقيد وهو عان موثق


(١) أى البئر.
(٢) أى في السنة الثانية.
* واضح أنهم لم يستحبوا كلّ القتلى، فقد سبق أن عددهم كان سبعين رجلا.