للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنى النضير- وهو أبو صفية أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها- ليخبره من أخبار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما أحبّ معرفته، فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له؛ لأنه خافه، وجاء إلى سلّام بن مشكم سيد بنى النضير، وصاحب كنزهم (أى المال الذى كانوا يجمعونه ويدخرونه للنوائب وما يعرض لهم، وكان حليّا يعيرونه لأهل مكة) «١» فاستأذن عليه، فأذن له واجتمع به وسقاه خمرا، فلما كان السحر خرج أبو سفيان ومن معه فلقي رجلا من الأنصار في حرث له، فقتله وقتل أجيرا كان معه، وحرق حرثهما، ورأى أنّ يمينه قد حلّت فمضى هاربا، وقد خاف الطلب. وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبره، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مائتين من المهاجرين والأنصار في طلبهم، وكان خروجه لخمس من ذى الحجة من السنة الثانية من الهجرة، وجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب، فيلقون جرب السويق من قمح أو شعير مطحون، وهو عامة أزوادهم، فيأخذه المسلمون، ولم يلحقوا بهم. وانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعا إلى المدينة، وكانت غيبته خمسة أيام، ولإلقاء السويق من رحالهم لتخفيفها وأخذ المسلمين لذلك، سميت غزوة السويق، ولم يلق فيها كيدا.

* وفي هذه السنة مات عثمان بن مظعون رضى الله تعالى عنه.

* وفيها أيضا هلك أمية بن أبى الصلت- من رؤساء الكفار- قرأ الكتب «٢» ، واطّلع على البعثة، فكفر حسدا؛ لأنه رجا أن يكون هو المبعوث، ونزل في حقه قوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها [الأعراف: ١٧٥] ، وكان سافر إلى الشام ورجع عقيب وقعة بدر السابقة، فمرّ بالقليب وفيه قتلى


(١) كانوا يعطون الناس ويأخذون منهم إلى أن يتمكنوا مما يريدون. ومن أحداث اليهود أن جماعة منهم استعاروا ذهب المصريين- وقت خروجهم مع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام- بحجة أو بأخرى- وذهبوا بها ولم يردّوها لأصحابها- استحلوا هذا النهب بحجة أنهم شعب الله المختار، وهى دعوى عريضة لم يقم على صحتها دليل، بل قام الدليل على كذبها ألف مرة ومرة. وقد حكى القران عنهم أنهم قالوا «نحن أبناء الله وأحباؤه» فردّ عليهم هذه الفرية بقوله تعالى: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة: ١٨] ، وصوّروا العجل الذى عبدوه من دون الله من هذه الأموال التى سرقوها من مصر.
(٢) أى التوراة والإنجيل والزبور.