أن يقيم بالمدينة، يقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا:«لتخرج بنا يا رسول الله نقاتلهم بأحد» ، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصابه أهل بدر، فما زالوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى لبس أداته، ثم ندموا، فقالوا: يا رسول الله: أقم، فالرأى رأيك. فقال:«فما ينبغى لنبى أن يضع أداته إذا لبسها حتّى يحكم الله بينه وبين عدوه» أ. هـ.
واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم.
وخرج صلّى الله عليه وسلّم في ألف من الصحابة، وصار بين المدينة وأحد، ونزل الشّعب من أحد، وجعل ظهره إلى أحد، ثم كانت الوقعة يوم السبت لسبع مضين من شوال، ويقال عدّة أصحابه صلّى الله عليه وسلّم تسعمائة، وفيهم مائة دارع، ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين؛ فرس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفرس لأبى بردة، ولواء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع مصعب بن عمير (من بنى عبد الدار) ، وعلى ميمنة المشركين خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبى جهل، ولواؤهم مع بنى عبد الدار. وجعل صلّى الله عليه وسلّم الرماة (وهم خمسون) وراءه. فالتقى الناس ودنا بعضهم من بعض، وقامت هند بنت عتبة زوج أبى سفيان رضى الله تعالى عنها (فإنها أسلمت بعد ذلك) وأمّ حكيم بنت طارق زوج عكرمة- رضى الله تعالى عنها- فى النسوة المصاحبات لجيش المشركين يضربن بالدفوف خلف الرجال، يحرّضن المشركين على القتال لحرب المسلمين، ويقلن:
نحن بنات طارق ... نمشى على النّمارق
إن تقتلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير مالق
يردن: نحن بنات الكوكب، وإنه لا ينال. ويقال إن رملة بنت طارق، وأم حكيم بنت طارق قالتا ذلك، وقاله النساء معهن. وكان النبى صلّى الله عليه وسلّم إذا سمع قولهن هذا قال:«اللهم إنى بك أجول وأصول وفيك أقاتل، حسبي الله ونعم الوكيل» .
واستمر القتل في أصحاب لواء المشركين، ورأى النساء برجالهن أمرا عظيما، حتى ولولن وتركن ما كنّ فيه، وانهزم المشركون، حتى انهزمت هند بنت عتبة وصواحبها متحيرات ما دونهن مانع ولا دافع، حتى لو شاء المسلمون لأخذوهن.