للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخل المسلمون عسكر المشركين.

وقاتل حمزة عمّ النبى صلّى الله عليه وسلّم يومئذ قتالا شديدا، وقتل أرطاة حامل لواء المشركين- إلى أن قتل؛ ضربه وحشي عبد جبير بن مطعم، وكان حبشيا، بحربة فقتله، وكان حمزة مشغولا عنه بقتال سباع بن عبد العزّي، وفي قتل وحشيّ حمزة، يقول حسان:

ما لشهيد بين أرماحكم ... شلّت يدا وحشيّ من قاتل

وقتل أيضا مصعب بن عمير حامل لوائه صلّى الله عليه وسلّم، فظنّ قاتله أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لقريش: إنى قتلت محمدا، وشاع ذلك، وانتهى النضر بن أنس إلى جماعة من الصحابة، وقد دهشوا وقالوا: قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: فما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه. فاجتهدوا في القتال، ثم إن كعب ابن مالك الشاعر عرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنادى بأعلى صوته يبشر الناس، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له: أنصت؛ فاجتمع عليه المسلمون، ونهضوا معه نحو الشعب، فيهم أبو بكر وعمر وعلى والزبير والحارث بن الصمة الأنصاري، وغيرهم، وأدركه أبيّ بن خلف في الشعب، فتناول صلّى الله عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمّة، وطعنه بها في عنقه، فكرّ أبيّ بن خلف منهزما، وقال له المشركون: ما بك من بأس؟ فقال: «والله لو بصق عليّ لقتلني» فمات بسرف «١» وهم قافلون، وقال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم «اشتدّ غضب الله على رجل قتل نبيا أو قتله نبي» «٢» فمات عدو الله في مرجعهم إلى مكة.

وكان أبو عزة الجمحيّ- أحد رؤساء حزب المشركين- وقع أسيرا في بدر، فمنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحلفه ألايكثر عليه جمعا، وأرسله بغير فدية، فلما كانت غزوة أحد طلبه رؤساء قريش ليتوجه معهم للحرب فامتنع من النفوذ لما وجّهوه إليه، وقال: إن بلاء محمد عندى حسن، أطلقنى يوم بدر. فلم يزالوا به


(١) بالفتح، ثم بالكسر واخره فاء: موضع على ستة أميال من مكة، من طريق «مرو» بنى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بميمونة بنت الحارث، وفيه ماتت رضى الله تعالى عنها وأرضاها.
(٢) وفي رواية: «أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي، أو رجل أفتى الناس بغير علم، أو مصور يصور التماثيل» رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود.