للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ما فعل بعمه، قالوا: لنمثلن بهم إن أظهرنا الله عليهم مثلة ما يمثّل بها أحد، فأنزل الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل: ١٢٦] ، فكفّر عن يمينه، ونهى عن المثلة.

وروى ابن شاذان عن ابن مسعود: «ما رأينا المصطفى باكيا قط أشد من بكائه على حمزة، وصعد في القبلة، ثم وقف على جنازته وبكى حتّى كاد يغشى عليه، يقول: «يا حمزة يا عم، يا أسد الله وأسد رسوله، يا حمزة يا فاعل الخيرات، يا حمزة يا كاشف الكربات» «١» . وليس هذا نوح ولا تعدّد* بشمائل، بل إخبار بفضائله وشمائله.

ثم أمر فسجّي ببرده، ثم أتي بالقتلى يوضعون إلى حمزة، فصلّى عليهم وعليه، وهذا دليل لأبى حنيفة؛ فإنه يرى الصلاة على الشهيد، خلافا للشافعى وأحمد رحمهم الله تعالى.

ثم أمر بحمزة فدفن، واحتمل أناس من المسلمين إلى المدينة فدفنوا بها، ثم نهاهم صلّى الله عليه وسلّم عن مثل ذلك، وقال: «ادفنوهم حيث صرعوا» ، ويقال دفن معه «٢» فى قبره عبد الرحمن بن جحش.

وأصيبت عين قتادة فردّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، فكانت بعد ذلك أحسن عينيه، وكانت إصابتها بسهم خرجت بحدقتها على وجنته، وهو يقى السهام بوجهه عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. واستشهد أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك، وقد أبلى بلاء حسنا، وفيه نزلت: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ...

[الأحزاب: ٢٣ وما بعدها] .

ونزل في شهداء أحد- كما رواه الحاكم- (وكانوا سبعين رجلا؛ أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وعثمان بن شاس، وعبد الله ابن جحش، وسائرهم من الأنصار) قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي


(١) لأنه طالما فرّج الكربات عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك، وهذا من باب ذكر الحسنات التى أسداها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قال الشيخ فيما بعد.
(٢) أى مع حمزة- رضى الله عنه.
* هكذا جاء.