للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شفتاه. والذى كسر رباعيته عتبة بن أبى وقاص، والذى شجّ وجهه عبد الله بن شهاب الزهري في جبهته، وجعل الدم يسيل على وجهه الشريف وهو يقول:

«كيف تفلح أمة خضّبت وجه نبيها! اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون» وإلى ذلك أشار من قال:

وأهلك قومه في الأرض نوح ... بدعوة «لا تذر ربّي» فأفني

ودعوة أحمد ربّ اهد قومي ... فهم لا يعلمون كما علمنا

فنزل في ذلك قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) [ال عمران: ١٢٨] وضرب بالسيف على شقه الأيمن فجرح وجنته، ودخلت حلقتان من المغفر «١» فى وجهه الشريف من الشّجّة، ونزع أبو عبيدة (عامر بن الجراح) إحدى الحلقتين من وجهه صلّى الله عليه وسلّم فسقطت ثنية»

أبى عبيدة الواحدة، ثم نزع الاخرى فسقطت ثنيته الاخري. ومثّلت هند وصواحبها بالقتلى من الصحابة؛ فجدعن الاذان والأنوف، وبقرت هند عن كبد حمزة ولاكتها «٣» ، وصعد زوجها أبو سفيان فوق الجبل وصرخ بأعلى صوته «الحرب سجال يوم بيوم: يوم أحد بيوم بدر، اعل هبل» أى زد علوّا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: قم يا عمر فأجبه، فقال: «الله أعلى وأجل: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار» .

وفي الصحيح: أن أبا سفيان قال: «لنا العزّى ولا عزّى لكم» فقال النبي: قولوا له: «الله مولانا ولا مولى لكم» .

ثم نادى أبو سفيان عند منصرفه. «إن موعدكم بدر العام المقبل» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل من أصحابه: «قل: نعم بيننا وبينكم موعد» ثم التمس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمه حمزة فوجده وقد بقر بطنه، وجدع أنفه وأذناه، فقال: لئن أظهرنى الله عز وجل على قريش لأمثّلن بثلاثين منهم «٤» ، فلما رأى المسلمون حزنه وغيظه


(١) المغفر: زرد ينسج من الدروع علي قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة.
(٢) الثنيّة: إحدى الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، ثنتان من فوق وثنتان من تحت.
(٣) ولكنها لم تستطع ابتلاعها فلفظتها.
(٤) هذه رواية محمد بن إسحاق، وقد ذكرها ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ اخر سورة النحل، وفي رواية البزار: «بسبعين» بدل «بثلاثين» .