للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان دأبه صلّى الله عليه وسلّم الصفح الجميل، وكان يجعله شكرا للنصر والظفر، كما قال عند فتح مكة لأهلها، وكانوا قد أخرجوه منها، وهى أحب البقاع إليه: «أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين» .

وكان ممن استشهد في أحد: سعد بن الربيع، وأخذ ميراثه أخوه، وكان لسعد بنتان، وكانت امرأته حاملا، وكانت المواريث على مواريث الجاهلية، ولم تكن الفروض نزلت، فنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ، فدعا أخا سعد، فقال: أعط ابنتى أخيك ثلثي الميراث، وادفع إلى زوجته الثمن، والباقى لك» ولم يورّث الحمل يومئذ، ثم ورّث بعد ذلك.

قال النووى في «الروضة» : إن تحريم الخمر كان بعد غزوة أحد، وذكر أرباب السير أنه كان في حصار بنى النضير، فى ربيع الأوّل سنة أربع، ولم يباشر صلّى الله عليه وسلّم القتال في غزوة من الغزوات إلّا في أحد.

ولم يقاتل معه صلّى الله عليه وسلّم من الملائكة إلا في بدر، وإلا في حنين «١» ، قيل: وأحد.

ولم يرم صلّى الله عليه وسلّم بالحصباء في وجوه القوم في شئ من الغزوات، إلا في هذه الثلاث، على خلاف في الثالثة.

ولم يجرح: أي لم يصبه صلّى الله عليه وسلّم جراحة في غزوة من الغزوات إلّا في أحد.

ولم ينصب صلّى الله عليه وسلّم المنجنيق في غزوة من الغزوات إلا في غزوة الطائف، وفيه أنه نصبه على بعض حصون خيبر، ولم يتحصن بالخندق في غزوة إلا في غزوة الأحزاب «٢» .


(١) من المتفق عليه أن الملائكة لم تقاتل إلا في بدر، وأما في حنين فقد نزلت الملائكة ولكن لم تقاتل.
(٢) الواقع أن الله سبحانه وتعالى أدّب الأمة كلها بهذا الدرس العملى المجيد، وعلمها أن مخالفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيه الخطر كل الخطر على المسلمين أنفسهم؛ إذ فيه ضياعهم. ومن المعروف أن الصحابة- رضوان الله عليهم- لم ولن ولا يقصدون مخالفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن لما حدث منهم ما حدث- عن طريق التأويل لا القصد- لقنهم الله هذا الدرس العملى تربية لهم وللأمة فيما بعد. أما من قصد المخالفة من المسلمين من قريب أو بعيد فليعدّ نفسه للدواهي، وها نحن نرى بأعيننا ما نرى من مغبة هذه المخالفة، نسأل الله الستر والعفو والعافية.