للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذه السنة (الثالثة من الهجرة) كانت غزوة حمراء الأسد:

وهو جبل بناحية العقيق، بينه وبين المدينة ثمانية أميال، وذلك أنه لما كان صبيحة «١» يوم أحد، وهو سادس عشر شوال من هذه السنة، أذّن مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخروج لطلب العدوّ، وألايخرج إلا من حضر معه بالأمس، فخرج، وخرجوا على ما بهم من الجهد والجراح- حتى كان بأسيد بن حضير تسع جراحات، يريد أن يداويها، فلما سمع النداء ترك المداواة سمعا وطاعة لله ورسوله- وسار عليه الصلاة والسلام متجلدا مرهبا للعدو، وانتهى إلى حمراء الأسد، وكان المشركون قد صاروا إليها من أحد، ودفع لواءه وهو معقود لم يحلّ، إلى عليّ، أو إلى أبى بكر، إظهارا للقوة وإرهابا للعدو، وأقام بها ثلاثا، ومر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحمراء الأسد: سعيد بن أبى معبد الخزاعى سائرا إلى مكة، ولقي أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء، فأخبرهم بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طلبهم، فقالوا: «لقد أجمعنا الكرّة على المسلمين لنستأصل بقيتهم» ، فقال سعيد الخزاعي:

«إنى أنهاكم عن ذلك، فلا ترجعوا إلى المدينة» . فثبط عزم أبى سفيان عن الرجعة، وأكبر عليهم خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قذف الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا سراعا على ظفر منهم، حيث لم يأمنوا أن تكون الدّولة «٢» للمسلمين، حتى أتوا مكة، فلما بلغ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك قال- حسبنا الله ونعم الوكيل- فأنزل الله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ ... [ال عمران:

١٧٢: ١٧٤] الاية. وكان خليفته على المدينة ابن أم مكتوم.


(١) يقصد الصباح التالي لغزوة أحد.
(٢) الاستيلاء والغلبة.