للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دلس «١» عليك فيها؟ سبحانك هذا بهتان عظيم! فنزلت الاية كذلك. وأما أهل الإفك وهم: مسطح بن عباد بن عبد المطلب وحسان بن ثابت وعبد الله بن أبيّ ابن سلول: فجلدهم صلّى الله عليه وسلّم ثمانين إلا عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين فلم يجلده.

وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر الحافظ أن قوما أنكروا أن يكون حسّان خاض فى الإفك أو جلد فيه، روى عن عائشة أنها برّأته من ذلك. وكان عبد الله بن أبيّ بن سلول هو المقصود بمن تولى كبره فله عذاب عظيم في الآخرة، وهو أشد أهل الإفك إيذاء للنبى صلّى الله عليه وسلّم، بدليل أن النبى صلّى الله عليه وسلّم لما صعد المنبر قال: «يا معشر المسلمين من يعذرنى من رجل قد بلغنى أذاه في أهلى (يعنى عبد الله بن أبى بن سلول) فو الله ما علمت علي أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا (أي صفوان بن المعطّل صاحب الناقة) ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلى إلا معي» . فقام أسيد بن حضير (وهو ابن عم سعد بن معاذ) فقال: أعذرك يا رسول الله منه؛ إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج فما أمرتنا فعلناه. فقام سعد بن عبادة (وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن أخذته الحمية) فقال لأسيد بن حضير: كذبت، والله لا تقدر علي قتله. فقام أسيد بن حضير، وقال: كذبت، لعمر الله لنقتلنه، وإنك لمنافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان؛ الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي المنبر، فلم يزل يخفضهم حتي سكتوا، فالمراجعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقعت بين أسيد بن حضير وسعد بن عبادة سيد الخزرج، كما ذكره ابن إسحاق عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله وغيره.

وأما ما قيل من أن المراجعة في ذلك كانت بين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فهو وهم نبّه عليه ابن خالدون في السيرة، واستدل علي ذلك بأن سعد بن معاذ مات بعد فتح بني قريظة بلا شك في أثناء السنة الرابعة، وغزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة بعد عشرين شهرا من موت سعد بن معاذ، والملاحاة بين الرجلين (أى المنازعة والمخاصمة) كانت بعد غزوة بنى المصطلق بأزيد من خمسين ليلة اهـ.


(١) يقال: دلّس البائع إذا كتم عيب السلعة عن المشترى (أى غشه) .