للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* وفي هذه الغزوة قتل رجل من الأنصار رجلا من المسلمين خطأ يظنه كافرا، والقتيل هشام من بني ليث بن بكر، وكان أخوه مقيس مشركا، فقدم المدينة، وأظهر الإسلام طالبا دية أخيه، فأمر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها، وأقام قليلا، ثم عدا علي قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدّا، ومن قوله:

حللت به وتري وأدركت ثورتي ... وكنت إلي الأوثان أوّل راجع

وهو ممن أهدر النبى صلّى الله عليه وسلّم دمه يوم فتح مكة.

* وفي هذه الغزوة أيضا ازدحم جهجاه الغفارى- أجير عمر رضى الله عنه- وسنان الجهنى- حليف الأنصار- علي الماء وتقاتلا، فصرخ الغفاري: يا معشر المهاجرين، وصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، فغضب عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم، فقال ابن أبي بن سلول: «أو قد فعلوها، قد كاثرونا في بلادنا، أما والله، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ» (يعنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) ، ثم قال لمن حضر من قومه: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم علي أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا عنكم، فأخبر زيد بن أرقم ذو الأذن الواعية- وهو غلام حديث السن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله مر به عبد الله بن بشير فليقتله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: كيف يا عمر يتحدث الناس إذن أن محمدا يقتل أصحابه «١» ، ثم أمر بالرحيل في وقت لم يكن ليرحل فيه، ليقطع ما الناس فيه، فلقيه أسيد بن حضير وقال: يا رسول الله رحت في ساعة منكرة لم تكن لتروح فيها، (فإنه صلّى الله عليه وسلّم كان لا يرحل إلا إن برد الوقت) فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما بلغك ما قال عبد الله بن أبيّ بن سلول!؟

فقال: وماذا قال؟ فأخبره بمقاله، وأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلي عبد الله بن أبيّ فأتاه، فقال: أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني؟ فحلف عبد الله أنه لم يقل ذلك.


(١) ليس هذا من الصحابة رضى الله عنهم، وإنما هو رأس النفاق والمنافقين لعنه الله، وإنما خشى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يفترى الناس هذه الفرية فيما بعد، ويستدلوا عليها بهذا الصنيع، فلذلك أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدم قتله. والحديث رواه البخارى عن جابر بلفظ: «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» .