للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما علمت قريش بهذه البيعة خافوا، وأشار أهل الرأي بالصلح على أن يرجع ويعود من قابل فيقيم ثلاثا معه سلاح الراكب- السيوف في القرب «١» والقوس- فبعثوا سهيل بن عمرو ثانيا ومعه مكرز بن حفص وحويطب بن عبد العزّى إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصالحه، على أن يرجع في عامه هذا؛ لئلا تتحدث العرب بأنه دخل عنوة، وأنه يعود من قابل، فلما انتهى سهيل بن عمرو إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جثا علي ركبتيه بين يديه صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون حوله، وتكلّم فأطال، ثم تراجعا «٢» ، ومن جملة ذلك أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال له: تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف، فقال: له سهيل: «والله لا تتحدث بنا أننا أخذنا ضغطة (بالضم أي بالشدة والإكراه) ولكن ذلك من العام القابل» . ثم التأم الأمر بينهما علي الصلح علي ترك القتال، إلى اخر ما يأتي، ولم يبق إلا الكتاب بذلك، وعند ذلك وثب عمر حتي أتي أبا بكر فقال: أليس رسول الله؟ قال: بلى قال: ألسنا بالمسلمين وهم بالمشركين؟ قال:

بلي، قال: فعلام نعطى الدنيّة (بفتح الدال وكسر النون وتشديد الياء: النقيصة والخصلة المذمومة) في ديننا؟ قال: يا عمر، الزم فأنا أشهد أنه رسول الله، قال:

وأنا، ثم أتى رسول الله فقال له ذلك، فقال: أنا عبد الله ورسوله لن أخاف أمره، ولن يضيّعني. فأجاب النبى إلى ذلك، فقال سهيل: هات اكتب بيننا وبينكم كتاب صلح، فدعا النبى صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال له: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا أعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة، اكتب باسمك اللهم، فقال المسلمون: لا تكتب إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: اكتب باسمك اللهم، فكتب، ثم قال: «اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» ، فقال سهيل:

لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك محمد بن عبد الله، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: «إنى لرسول الله، وإن كذّبتموني، وأنا محمد بن عبد الله، اكتب محمد بن عبد الله» .

وفي رواية: كان الكاتب علي بن أبي طالب، وكان قد كتب محمد رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: امح رسول الله واكتب مكانه محمد بن عبد الله،


(١) القرب: جمع قراب وهو السيف في غمده.
(٢) هو ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي راجع بعضهم بعضا في الكلام.