للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد علمت ما في هذا الكلام، وإن كان معناه لا يستكثر على عليّ رضى الله عنه.

* وأتى أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيده من مكة في أثناء الكتاب، وكان قد أسلم، فقال سهيل بن عمرو: هذا أوّل ما أقاضيك عليه أن تردّه إليّ، فردّه صلّى الله عليه وسلّم إلى أبيه، وعظم ذلك علي المسلمين، وأخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبا جندل:

أن الله سيجعل له فرجا ومخرجا، إننا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا واصطلحنا، وأعطيناهم علي ذلك وأعطونا عهد الله، وإنّا لا نغدر بهم.

ولما تمّ الصلح وكتابه أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينحروا ويحلقوا، فتوقفوا، فغضب حتي شكا إلي زوجته أمّ سلمة، فقالت: يا رسول الله، لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت علي نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح، ولكن اخرج وانحر واحلق فإنهم تابعوك. فخرج ونحر وحلق رأسه حينئذ، وكان الحالق له صلّى الله عليه وسلّم خراش بن أمية الخزاعى رضى الله عنه، فلما راه الناس نحر وحلق فعلوا مثله. وقسم لحوم الهدايا في الفقراء الذي حضروا الحديبية، وبعث النبى صلّى الله عليه وسلّم عشرين بدنة مع ناجية «١» حتي نحروها بمروة «٢» وقسّموا لحومها علي فقراء مكة، قال ابن عباس: حلق رجال يوم الحديبية وقصّر اخرون، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم اغفر للمحلّقين» وفي معالم التنزيل قال:

«يرحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم اغفر للمحلّقين، قالوا: والمقصرين، وفي الثالثة أو الرابعة قال: والمقصرين» قالوا: لم ظاهرت (أى أظهرت) الترحم للمحلقين دون المقصرين؟ قال: لأنهم لم يشكّوا (أي لم يرجوا أن يطوفوا بالبيت بخلاف المقصرين، أى لأن الظاهر من حالهم أنهم أخّروا بقية شعورهم رجاء أن يحلقوها بعد طوافهم بالبيت) .

وكان صلح الحديبية فتحا قريبا، أمن الناس بعضهم بعضا، ورضا من الله


(١) هو ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن إرم بن وائل بن سلامان بن أسلم الأسلمي، كان اسمه ذكوان، فسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ناجية» حين نجا من قريش، مات بالمدينة في خلافة معاوية.
(٢) نوع من الحجارة مسنون تصلح للذبح واسم للمكان المعروف بمكة.