للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى، قال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:

١٨] كما سبق، وعن جابر أنهم كانوا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، فبايعوه صلّى الله عليه وسلّم وعمر اخذ بيده تحت الشجرة (وهى سمرة) غير الجدّ بن قيس اختفى تحت بطن بعيره. زادوا في رواية: وقيل عدد المبايعين خمس عشرة مائة فأكثر، وقيل غير ذلك. قال أهل السير: أقام النبى صلّى الله عليه وسلّم عشرين يوما بالحديبية، ثم رجع صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وما فتح من قبله فتح أعظم من هذا الفتح، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس بعضهم بعضا، التقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام أحدا إلا دخل فيه، فلقد دخل في مدة سنتين فى الإسلام مثل ما كان قبل ذلك، أو أكثر، ببركة مهادنته صلّى الله عليه وسلّم.

ولما رجع صلّى الله عليه وسلّم إلي المدينة حتّى إذا كان بين مكة والمدينة (بكراع الغميم) نزل إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* إلي اخرها، وسمّى فتحا لأنه كان مقدمة لفتوح كثيرة تتسع بها دائرة الإسلام، ولما نزلت قال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه:

«أنزلت عليّ سورة هي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس» «١» .

ثم إن أبا بصير «عتبة بن أسد بن حارثة» هرب ولحق بالنبى صلّى الله عليه وسلّم، وكان قد أسلم وحبسه قومه بمكة، وهو ثقفى، من حلفاء بنى زهرة، فبعث إليه الأزهر بن عبد عوف وعم عبد الرحمن بن عوف، والأخنس بن شريق سيد بني زهرة كتابا مع رجل من بني عامر بن لؤي، ومعه مولي لهم بطلب أبى بصير، فأسلمه النبى صلّى الله عليه وسلّم، فاحتملاه، فلما نزلوا بذى الحليفة أخذ أبو بصير السيف من أحد الرجلين، ثم ضرب به العامرى فقتله، وفرّ الاخر، وأتى أبو بصير إلي النبى صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، قد وفت ذمتك حيث رددتنى إليهم، وأطلقنى الله منهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ويلمه (أى ويل أمه) مسعر حرب، لو كان له رجال» ففطن أبو بصير من لحن هذا القول أنه سيرده، وخرج إلى سيف «٢» البحر علي طريق


* الفتح: ١.
(١) رواه الإمام أحمد بلفظ: «نزل عليّ البارحة سورة هى أحب إليّ من الدنيا وما فيها» ورواه البخارى والترمذى والنسائى من طرق عن مالك رحمه الله، وإسناده مدنى جيد، انظر بتوسع تفسير ابن كثير رحمه الله.
(٢) سيف البحر: ساحل البحر.