سهيل، ومن معهم فيقدمون عليه، وقالوا: إنّا أسقطنا هذا الواحد من الشروط، فمن أتى محمدا فهو امن.
وقيل: قالوا من خرج منا إليك فأمسك في غير حرج؛ فإنّ هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره. فلما كان ذلك من أمرهم، علم الذين كانوا أشاروا علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يمنع أبا جندل من أبيه يوم الصلح والقضية أنّ طاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير فيما أحبوا وفيما كرهوا، وأن رأيه أفضل من رأيهم، «١» وعلموا بعد ذلك أن مصالحته صلّى الله عليه وسلّم كانت أولي، لأنها كانت سببا لكثرة المسلمين؛ فإن المشركين لما أمنوا القتال اختلطوا بالمسلمين فأثّر فيهم الإسلام، فأسلم كثير منهم.
وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر أبا بصير أن يقدم عليه بالمدينة هو وأبو جندل الذى كان اجتمع به مع رفاقه، ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، ولا يتعرضوا لأحد مرّ بهم من قريش، فلما قدم كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبى بصير، وكان حينئذ مشرفا علي الموت، مات وكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده يقرأه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا. وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أناس من أصحاب أبى جندل، ورجع سائرهم إلي أهليهم، وأمنت عيران قريش، وظاهر بعض الروايات يدلّ على أن قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ- نزلت في قصة أبى بصير.
ولم يزل أبو جندل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشهد ما أدرك من المشاهد بعد ذاك، وشهد الفتح، ورجع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقدم أبوه سهيل بن عمرو المدينة أوّل إمارة عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، فمكث بها شهرا، ثم خرج إلي الشام يجاهد، وخرج معه ولده أبو جندل، فلم يزالا مجاهدين حتي ماتا هناك رضى الله تعالى عنهما.
وهاجرت في مدة الصلح أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وجاء فيها
(١) ذلك لأنه: «لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى» وليس الرأى مع الوحى بشئ.