للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه عند اختلافهم في الأسباب والحروب ولأنه مستودع علومهم، وحافظ ادابهم، ومعدن أخبارهم، ولهذا قيل:

الشعر يحفظ ما أودى الزمان به ... والشعر أفخر ما ينبى عن الكرم

لولا مقال زهير «١» فى قصائده ... ما كنت تعرف جودا كان من هرم «٢»

وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم: «العمائم تيجان، فإذا وضعوها وضع الله عزتهم» «٣» .

ومن أعزّ العرب نفسا وأشرفهم همما الأنصار، وهم الأوس والخزرج، أبناء قيلة، لم يؤدوا إتاوة قط في الجاهلية إلى أحد من الملوك، وكتب إليهم تبّع أبو كرب يدعوهم إلى طاعته ويتوعدهم إن لم ينقادوا له، فكتبوا إليه:

العبد تبّع كم يوم قتالنا ... ومكانه بالمنزل المتذلل

إنّا أناس لا ننام بأرضنا ... عض الرسول هنا لأم «٤» المرسل

فلما دنا لقتالهم كانوا يقاتلونه نهارا ويخرجون إليه القرى ليلا، فندم على «٥» قتالهم، ورحل عنهم. وحسب الأنصار من الفضل ما يروى أنهم لما رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته يزداد وجعا طافوا بالمسجد، فأشفقوا من موته صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليه الفضل فأخبره بذلك، ثم دخل عليّ رضى الله عنه فأخبره بذلك، ثم دخل عليه العباس فأخبره ذلك، فخرج صلّى الله عليه وسلّم متوكئا على عليّ والفضل، والعباس أمامه، والنبى صلّى الله عليه وسلّم معصوب الرأس يخطّ برجليه حتّى جلس على أسفل مرقاة من المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وخطب خطبة ختمها بقوله:

«وأوصيكم بالأنصار خيرا؛ فإنهم الذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبلكم، يحبون من هاجر إليهم، ألم يشاطروكم في الثمار؟ ألم يوسعوا لكم في الدنيا؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟» أ. هـ.

وبالجملة فكلّ واحد من العرب يرى في نفسه العزة، وأنه سيّد حيّه وقبيلته،


(١) الشاعر زهير بن أبى سلمى.
(٢) هرم بين سنان من أجواد العرب، مدحه زهير بن أبى سلمى.
(٣) وفي لفظ رواه الديلمى في مسند الفردوس عن أبى عباس العمائم تيجان العرب فإذا وضعوا العمائم وضعوا عزهم» ورواه البيهقى بزيادة «واعتمّوا تزدادو حلما» ورواه القضاعى أيضا.
(٤) الهن: الفرج، وهو استهزاء به وشتم له، والمقصود بالرسول هنا: الرسول الذى جاءهم بخطاب التهديد.
(٥) فى الأصل «ندم من» والأصح «على» .