للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خولى، وقعد جمع من المشركين بجبل «قعيقعان» «١» ينظرون إليه صلّى الله عليه وسلّم وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت، وقد قال كفار قريش: إن المهاجرين أوهنتهم حمى يثرب، ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله امرا أراهم من نفسه قوة» فأمر أصحابه أن يرسلوا الأشواط الثلاثة، أى ليروا المشركين أن لهم قوة، فعند ذلك قال بعضهم لبعض: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد أوهنتهم؛ إنهم لينفرون نفر الظبى؟!

وإنما لم يأمرهم صلّى الله عليه وسلّم بالرمل في الأشواط كلها رفقا بهم، واضطبع صلّى الله عليه وسلّم بأن جعل وسط ردائه تحت عضده الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، ففعلت الصحابة رضى الله عنهم كذلك، وهذا أوّل رمل واضطباع في الإسلام، فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست سنّة عليهم، وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما صنعها لهذا الحى من قريش، للذي بلغه عنهم حتّى حجّ حجة الوداع، فلزمها، فدلّ على أنها سنّة. ثم طاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الصفا والمروة على راحلته، فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدى عند المروة، قال: «هذا المنحر، وكلّ فجاج مكة منحر» فنحر عند المروة وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون.

وأقام صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيام، فلما تمت الثلاثة التى هى أمد الصلح، جاءه حويطب بن عبد العزى ومعه سهيل بن عمرو رضى الله عنهما- فإنهما أسلما بعد ذلك- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوانه إلى الخروج هو وأصحابه من مكة، فقالوا: نناشدك الله والعقد إلا ما خرجت من أرضنا، فقد مضت الثلاث. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو وأصحابه من مكة، وكان صلّى الله عليه وسلّم تزوّج ميمونة بنت الحارث الهلالية رضى الله عنها، وكان اسمها برّة، فسمّاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ميمونة، وهى أخت أم الفضل زوج العباس رضى الله عنها، وأخت أسماء بنت عميس لأمها- زوج حمزة رضى الله عنه- وكان تزوّجه بها صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يحرم بالعمرة وقيل: بعد أن حلّ منها، وقيل:

وهو محرم. وبنى بها في عوده من مكة بمحل يقال له «سرف» ككتف، بقرب التنعيم، على ثلاثة أميال من مكة، واتفق فيما بعد أنها ماتت بسرف ودفنت فيه، وفي بعض السير أنها لما اعتلّت بمكة قالت: أخرجونى من مكة لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرنى أنى لا أموت بها، فحملوها حتّى أتوا بها سرف، إلى الشجرة التى بنى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحتها، فى موضع القبة، فماتت هناك سنة ثمان وثلاثين، وهناك عند قبرها سقاية.


(١) فى الأصل «قينقاع» وهو خطأ، وفي «المراصد» قعيقعان: جبل بمكة، الواقف عليه يشرف على الركن العراقى: (يعنى من الحرم الشريف) .