للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخول مكة من الأولى والخروج منها من الثانية، واغتسل صلّى الله عليه وسلّم لدخول مكة، وبه استدل على استحباب الغسل لداخل مكة ولو حلالا، وكان شعار المهاجرين «يا بنى عبد الرحمن» وشعار الخزرج «يا بنى عبد الله» وشعار الأوس «يا بنى عبيد الله» أى شعارهم الذى يعرف به بعضهم بعضا في ظلمة الليل، عند اختلاط الحرب، لو وجد.

وبعث النبى صلّى الله عليه وسلّم السرايا إلى الإصنام التى حول مكة فكسرها، ونادى مناديه بمكة: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره» ، وكذلك إلى الناس يدعوهم إلى الإسلام، ولم يأمرهم بقتال، وكانت بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية عوفا أبا عبد الرحمن، وعم خالد- كانا أقبلا من اليمن- وأخذوا ما معهما، وكان من السرايا التى بعثها صلّى الله عليه وسلّم تدعو إلى الإسلام سرية مع خالد بن الوليد، فنزل على ماء لبنى جذيمة فأقبلوا بالسلاح، فقال لهم خالد:

ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا، فوضعوه، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فأمر بهم خالد فكتفوا، ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل «١» منهم، فلما بلغ النبى صلّى الله عليه وسلّم ذلك رفع يديه إلى السماء حتّى بان بياض إبطيه، وقال: «اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد» [مرتين] ثم أمر عليا رضى الله عنه أن يؤدى لهم الدماء والأموال، ففعل «٢» ذلك، ثم سألهم: هل بقى لكم دم أو مال؟ قالوا: لا، وكان قد فضل مع عليّ قليل مال، فدفعه إليهم زيادة تطيبا لقلوبهم، فأعجب النبى صلّى الله عليه وسلّم ذلك.

وأنكر عبد الرحمن بن عوف على خالد فعله «٣» ، فقال خالد: ثأرت أباك،


(١) ظن سيدنا خالد رضى الله عنه أنهم خرجوا إلى دين الصابئة: جنس من أهل الكتاب، ومن القول الفاحش اتهام سيدنا خالد بأنه خالف أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لضغينة في نفسه من هؤلاء الناس، ولا يعتقد هذا إلا جاهل أو مدخول في عقيدته. والله تعالى أعلم.
(٢) وهذا دليل اخر على براءة سيدنا خالد، فإن الدية لا تؤدى إلا في الخطأ، أما العمد ففيه القصاص؛ لأنهم مسلمون.
(٣) وإنما لامه سيدنا عبد الرحمن بن عوف لأنه كان يعرف أن القوم قد أسلموا وخالد يجهل ذلك منهم، ولو علم ما فعل هذا أبدا، وقول خالد: ثأرت أباك، إنما يريد أن يبرد قلب عبد الرحمن حتى يخفف عبد الرحمن عنه اللوم. وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا خالد دع عنك أصحابى» إنما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- والله تعالى أعلم أن يبين مكانة السابقين في الإسلام، فإن السابقين لهم فضلهم ومكانتهم فلا يجترئ- عليهم أحد مهما كان. وهذا الذى نقوله وندين به لله رب العالمين، والله تعالى أعلم.