للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نذرها، فجاء عثمان بن طلحة رضى الله عنه بالمفتاح إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: يا رسول الله، إنها لم تفتح ليلا قط، قال: فلا تفتحها. ثم أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدها وأدخلها الحجر، وقال: «صلّى هاهنا؛ فإن الحطيم (أى الحجر) من البيت، إلا أن قومك قصرت بهم النفقة (أى الحلال) فأخرجوه من البيت، ولولا حدثان قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة، وأظهرت قواعد الخليل، وأدخلت الحطيم في البيت، وألصقت العتبة على الأرض، ولئن عشت إلى قابل لأفعلن ذلك» ولم يعش صلّى الله عليه وسلّم، ولم تتفرغ الخلفاء لذلك «١» .

ولما اطمأن الناس خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الطواف؛ فطاف بالبيت سبعا على راحلته، واستلم الركن، ودخل الكعبة ورأى فيه الشخوص على صور الملائكة، وصورة إبراهيم وفي يده الأزلام يستقسم بها، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام! ما شأن إبراهيم والأزلام؟! ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما، وما كان من المشركين» ثم أمر بتلك الصور فطمست، وصلّى في البيت، ثم جلس على الصفا فاجتمع الناس لبيعته على الإسلام، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله، فبايع الرجال، ثم النساء «٢» .

روى أن النبى صلّى الله عليه وسلّم عهد إلى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة ألايقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أحد عشر رجلا وست نسوة، فإنه أمر بقتلهم أينما ثقفوا من الحل والحرم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة.

أما الرجال الأحد عشر: فأحدهم عبد الله بن خطل (رجل من بنى تميم بن غالب بن فهر، وقد كان قدم بالمدينة قبل فتح مكة وأسلم، وكان اسمه عبد


(١) بل إنهم قد نهوا عن ذلك، لئلا يتخذه الملوك لعبة لهم، كلما جاء ملك جدد، فهدم وبني، وبيت الله ينزه عن ذلك، كما قال عبد الله بن عباس لابن الزبير رضى الله عنهما- حينما كان محصورا بمكة من قبل الحجاج بن يوسف، وأصاب الكعبة المنجنيق- فقال عبد الله بن عباس: دعها على ما أقرّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإني أخشى أن يأتى بعدك من يهدمها، فلا تزال تهدم وتبني، فيتهاون الناس بحرمتها، ولكن ارفعها. (انظر الجامع اللطيف في فضل مكة والبيت الشريف ص ٨٦) .
(٢) كانت مبايعته للنساء كلاما باللسان فقط.