بكر، حينئذ يلجأ الراوى (الواقدى وابن هشام) إلى تصوير ظهور إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجى أحد زعماء بنى كنانة ليؤكد لقريش أن بنى بكر لن تهاجمها (٩٧) . وذلك ما يدفع الراوى إلى التوقف عن سرد وقائع الغزوة ليعود إلى الماضى فيقدم تفاصيل الخلاف بين قريش وبنى بكر (٩٨) . وبقدر ما يمثل ذلك التوقف قطعا لتقديم الوقائع فإنه يهدف إلى تفسير بعض الجوانب المرتبطة بقريش بوصفها طرفا من طرفى الصراع.
إن محورية الدور الذى تؤديه الرؤيا في كثير من مواقف السيرة النبوية والسير الشعبية العربية هى التى تفسر سعى الراوى- فى إطار النمط المطول للسيرة النبوية إلى الإبقاء عليها في اللحظات تسبق حدوث الوقائع المهمة. وقد توقف الواقدى وابن هشام عند تقديم رؤيا جهيم بن الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب التى تمثل نبوءة بمصير عدد من القرشيين الذين سيقتلون في القتال (٩٩) . وتلعب هذه الرؤيا دورا مزدوجا في تشكيل الأحداث؛ إذ ينكص بعض القرشيين عن الذهاب إلى بدر، بينما يزداد إصرار أبى جهل على القتال. وعلى مستوى تشكيل الوقائع يبدو الواقدى أكثر من ابن هشام ميلا إلى تقديم الحواريات- بينما يبدو ابن هشام ساعيا إلى ضغط هذه الحواريات أو حذف فقرات منها أو تقديمها سردا (١٠٠) .
ومن الملاحظ أن الطهطاوى قد استبعد تماما تلك الرؤيا والأخبار التى سبقتها، ملتقيا في هذا مع ابن عبد البر وابن حزم.
أما الوقائع الأساسية المرتبطة بأحداث الغزوة فهى: استشارة النبى أصحابه، واستطلاعه أخبار مسير قريش، ثم تحرك المسلمين لقتال قريش، ثم تشاور النبى (ص) مع أصحابه واقتراح الحباب بن المنذر مكان عسكرة جيش المسلمين، ثم وقائع القتال ونتائجه، ولا يختلف ترتيب هذه الوقائع" الأساسية" عند هؤلاء الرواة جميعا، وإن بدت بعض الطرائق التى استخدمها هذا الراوى أو ذاك ذات دلالة على منحاه في الصياغة والتشكيل. فبينما اعتمد السرد لدى ابن هشام والواقدى وابن سيد الناس على تقديم مجموعة من الأخبار المتوالية والمتعاقبة فإن اهتمام كل منهم بتقديم سلاسل أسانيد هذه الأخبار يجعل منها- أى من هذه السلاسل- وسيلة موجهة نحو تحديد كيفية للتلقى تقوم على تأكيد الفواصل بين المتلقى والوقائع التى تقدم له.