وإذا كان ابن عبد البر وابن حزم قد قدما الوقائع ذاتها موجزة فإنهما قد اختلفا في اعتمادهما على الاستطرادات في تناولهما لبعض جوانب هذه الوقائع (١٠١) . ورغم أن كتابة الطهطاوى تشترك معهما في انضوائها إلى النمط الموجز من كتابة السيرة النبوية فإن من اللافت أن صياغة الطهطاوى لهذه الوقائع تكشف عن بروز منحيين مختلفين لدى الطهطاوى؛ أولهما يعد إعادة صياغة وتشكيل للوقائع، بينما يعد ثانيهما بمثابة استطراد (١٠٢) . ويبرز المنحى الأوّل في سرد الطهطاوى الوقائع بلغته هو، وترتيبه الوقائع ترتيبا قائما على منطق السببية مما يدفعه إلى تقديم الوقائع على أساس تواليها الزمنى، من ناحية، ويتيح له من ناحية أخرى إمكانية تقديم أو تأخير بعض الأخبار التى قدمها الرواة السابقون ليضعها في سياق سببى مباشر (١٠٣) ، ويمكن أن توصف تلك العملية بأنها نوع من التركيب السياقى الذى يتمثل في إنشاء سياق سردى (يستلزم ترتيب مجموعة من الأحداث، بحيث تصبح هذه الأحداث سلسلة متتالية قابلة للفهم والتتبع)(١٠٤) وتحمل دلالة. ولعل تلك العملية كانت تتطلب الارتكان إلى الية الإيجاز والحذف، وقد ظهرت فاعليتها في حذف الطهطاوى لأسانيد المرويات التى كانت تشكل عائقا أمام" ضغط" السياق السردى وتركيزه، والإشارة الموجزة التى قدمها في نهاية صياغته الوقائع إلى أسماء عدد من شهداء المسلمين وقتلى قريش، مختلفا في هذا عن كتاب النمطين المطول والموجز للسيرة النبوية الذين حرصوا- فى نهاية سرد وقائع الغزوة- على تقديم قوائم كاملة بأسماء من أسهموا في الغزوة، وأسماء الشهداء وأسماء القتلى، واللافت أن هذه القوائم كانت تحتل دائما مساحة أكبر من المساحة أكبر من المساحة التى تحتلها وقائع الغزوة نفسها (١٠٥) .
وبقدر ما أدت تقنية الحذف والإيجاز إلى مساعدة الطهطاوى على التركيز على سلسلة الوقائع الأساسية، فإنها لم تمنعه من الإشارة الموجزة إلى تعدد المرويات أو اختلافها حول هذا الجانب أو ذاك. ورغم صياغة الطهطاوى لوقائع الغزوة بلغته هو فإنه قد قدم، فى إطار ذلك، الايات القرانية المرتبطة بالغزوة، كما قدم أيضا عددا من المرويات الحوارية أو الحديثية كما هى. وتابع الطهطاوى تقليدا من تقاليد كتاب السيرة بنمطيها يتمثل في شرح أو تفسير بعض الكلمات أو أسماء الأماكن داخل المتن السردى (١٠٦) .