ويبرز المنحى الثانى في استخدام الطهطاوى لتقنية الاستطراد بنمطيها؛ وإن كان من الواضح أن نمط الاستطراد السردى قد أصبح عنده مرتبطا بتقديم حكايات موجزة، أو
مطولة أحيانا، عن بعض قتلى أو أسرى بدر؛ كحكاية النضر بن علقمة وقتله بأمر النبى (ص) ، وحكاية عمر بن وهب الجمحى وصفوان أمية وهى منقولة عن ابن إسحاق، وحكاية أسر العباس بن عبد المطلب في بدر ثم إسلامه وهى تتضمن استطرادات أخرى عن زوجته وعن دعائه وإجابته، وحكاية نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، وأخيرا حكاية إسلام عمرو بن العاص (١٠٧) .
أما نمط الاستطراد التعليمى المباشر فيبدو أقل استخداما من النمط السردى، ويبرز في حديث الطهطاوى عن لون من الألوان البديعية يسمى غريب الاتفاق، وتناوله لمسألة الشهادة وأنواع الشهداء (١٠٨) .
وتبدو وظائف الشعر داخل تلك الواحدة السردية متسقة مع وظائفه في إطار سيرة الطهطاوى؛ فبعض الأشعار كانت جزا من الأحداث أو متممة لحكاية من الحكايات، بينما كان بعضها الاخر بمثابة إعادة لما قيل سردا أو وصفا، فى حين أن بعض الأشعار قد سيقت بهدف تأكيد الفكرة، بينما مثلت بعض النماذج الشعرية استطرادا على الاستطراد السردى أو النثرى في كتابة الطهطاوى (١٠٩) .
(٦/ ٥) تقضى دراسة عناصر التشكيل السردى للسيرة عند الطهطاوى- بداية من تنظيم الواحدات السردية الكبرى، واستخدام تقنيتى الإيجاز والحذف والاستطراد لتأدية وظائف مختلفة ترتبط بتقديم المواد السردية، وانتهاء بتوظيف الشعر في سياقات السرد، وكيفية بنية الواحدة السردية الوسطى- إلى الكشف عن تجليات التجديد في كتابة السيرة النبوية لدى الطهطاوى. فإذا كانت كتابة الطهطاوى قد انطلقت من التماس مع كتابة الرواية التاريخية والرواية التعليمية في مرحلة (١٨٧٠- ١٩١٤) فإن هذا المنطلق هو الذى حدد للطهطاوى التجديد في تقاليد كتابة السيرة النبوية بوصفها نصا سرديا، وذلك ما حققه بإعادة تقديم السيرة في