شكل جديد يفيد من التقاليد الكتابية والصياغية المختلفة التى تجلت في أنماط كتابة السيرة النبوية السابقة عليه.
وقد بدت في التشكيل السردى الذى قدمه الطهطاوى ملامح تماس" قوية" مع الرواية التاريخية المعاصرة له، سواء في الاعتماد على أحداث تاريخية، وحذف أسانيد المرويات، واستخدام تقنية الاستطراد لتؤدى وظائف تعليمية مباشرة أو غير مباشرة، أو توظيف الشعر داخل السياقات السردية المختلفة ليؤدى وظائف مماثلة لوظائفه في الرواية التاريخية المعاصرة له. وأما خاصية تنظيم الوقائع تنظيما قائما على منطق السببية، مع إعمال تقنية الحذف والإيجاز، والتى تبدت في صياغة الطهطاوى للواحدة السردية الوسطى الممثلة في الغزوة- فهى دال كاشف عن التماس الشديد بين التشكيل السردى لبعض واحدات السيرة عند الطهطاوى والرواية التاريخية المعاصرة له، بل إن سبق الطهطاوى لمعظم نماذج هذه الشكل الروائى- فى مرحلة (١٨٧٠- ١٩١٤) - يشير إلى إمكانية النظر إلى كتابة الطهطاوى السيرة النبوية بوصفها فعلا إبداعيا مسهما بفاعلية في التمهيد للرواية التاريخية. وذلك ما يكشف عن جانب جديد من جوانب ريادة الطهطاوى في مجال كتابة أو تقديم الأشكال السردية الحديثة؛ إذ لا تقتصر ريادته- فى هذا المجال على كتابه" تخليص الإبريز" وترجمة" وقائع تليماك" أو عمله الصحافى الذى أسهم فيما يرى الن روجر- فى تطور الرواية العربية (١١٠) ، بل تمتد أيضا إلى إعادة صياغة متن السيرة النبوية وجعله شكلا مسهما في التمهيد للرواية التاريخية.
وبقدر ما يبدو في كتابة الطهطاوى السيرة من تماس مع الرواية التاريخية فإن ذلك التماس هو الذى يمكن أن يفسر" خفوت" تأثير الكتابات الغربية- والفرنسية تحديدا- عن النبى" ص" على كتابة الطهطاوى؛ فعند إقامة الطهطاوى فى باريس (١٨٢٦- ١٨٣١) واتصاله بالثقافة والأدب الفرنسيين كان هناك خمسة عشر عملا فرنسيا تناول النبى" ص" سواء بكتابة سيرته، أو بتقديم وصف تاريخى له، أو بتقديم فهم جديد له يكشف عن رؤية جديدة له تخالف رؤية القرون الوسطى، واستلهام شخصيته في بعض الأعمال الإبداعية الكبرى (١١١) . ولا يبدو تأثير هذه الكتابات على كتابة الطهطاوى السيرة على الرغم مما يبدو في" أنوار