توفيق الجليل" من اتصال الطهطاوى بكتابات المستشرقين حول بعض جوانب الثقافة" الدينية" العربية (١١٢) ، فلعل الطهطاوى لم يعن بما كتبه المستشرقون الفرنسيون السابقون عليه والمعاصرون له عن سيرة النبى" ص".
لقد كانت كتابة الطهطاوى السيرة النبوية بصياغة تشكيلها السردى نابعة من الموقف الذى كان الطهطاوى يسعى إلى تأصيله لدى من توجه إليهم بها.
(٦) إذا كان درس التشكيل السردى للسيرة النبوية لدى الطهطاوى قد كشف عن جوانب التجديد في كتابته لها، فإن استنباط الموقف الذى تنطوى عليه تلك الكتابة سيفضى إلى إدراك مستويات الدلالة فيها، وهذا ما يتطلب الالتفات إلى أنماط المتلقين الذين تلقوا نص الطهطاوى، ودور الوسيط الثقافى الذى حمل كتابة الطهطاوى إليهم.
تركزت في شخصية الرسول (ص) الصفات الأساسية التى شكلت مرتكزات البطولة لدى الجماعة العربية عبر عصورها المتوالية، وتلخصت هذه الصفات في (اتصال نسبه بما يثبت عروبته وشرفه وأهمية ابائه جميعا)(١١٣) و (دفاعه عن مبدأ أو عقيدة، وأيا كان هذا المبدأ أو تلك العقيدة فلا بد أن تكون خيرة مؤمنة)(١١٤) ، وتعضيد أفعاله بقوة (غيبية خارقة تثبت صحة ما يدافع عنه من مبدأ)(١١٥) ، والاتساق بين أفعاله وأقواله التى تهدف إلى تحرير الإنسان، وإرساء قيمة العدالة، وتأسيس السلوك على قيم أخلاقية مثالية.
ولعل هذا ما يفسر، من ناحية، بقاء سيرة الرسول (ص) طوال حياة المجتمع العربى، وتأثيرها في تشكيل نموذج البطل في السير الشعبية العربية، من ناحية أخرى، ولا ينفى انقطاع المصريين- قبل الطهطاوى بأربعة قرون عن كتابة السيرة النبوية- بقاءها حية وفاعلة في الوجدان الشعبى المصرى/ العربى. ومن هنا كانت كتابة الطهطاوى" نهاية الإيجاز" بمثابة إعادة تقديم النموذج البطولى الذى تعكسه شخصية الرسول (ص) ، ليجعل منه وسيلة مباشرة وضمنية في الان نفسه لنقل موقفه أو رسالته الإصلاحية إلى دوائر المتلقين الذين يتوجه إليهم.