وتتمثل الدائرة الأولى في شرائح من المتعلمين والمثقفين الذين أنجبهم النظام التعليمى الذى أنشأه محمد على ودعمه إسماعيل فيما بعد، وقد كان الوسيط الثقافى الذى نقل" نهاية الإيجاز" إلى تلك الدائرة مؤسسة" جديدة" من مؤسسات إرساء التحديث وتثبيت التمدن؛ إذ أسهمت مجلة" روضة المدارس"- طوال سنوات صدورها (١٨٧٠- ١٨٧٧) - فى مسيرة التحديث سواء بتقديم العلوم الجديدة التى كان المجتمع المصرى يحتاجها، أو تقديم المعارف الجديدة التى ترتبط بمجالات التاريخ والفلسفة والاجتماع، أو بالإسهام في إعادة تشكيل بعض الأشكال الأدبية القديمة كالمقامة، أو بتشجيع الأشكال الأدبية الجديدة، ثم بمحاولة تطويع اللغة العربية لتصبح قادرة على الوفاء بالتعبير عن الأفكار والصيغ الفنية الجديدة (١١٦) .
وقد كان نشر" نهاية الإيجاز" فى" روضة المدارس" وسيلة لنقل الرسالة الإصلاحية التعليمية التى يتضمنها إلى فئات واسعة من المتلقين، وهذا ما تؤكده طريقة توزيع" روضة المدارس"؛ إذ (كان ديوان المدارس يرسل إلى المدارس بعض أعدادها ليشتريها المدرسون منبها إلى الحذر من عدم ارتداد أى نسخة من الروضة، ثم قرر الديوان أن يشتريها جميع الموظفين في المدارس، والمكاتب الأهلية ممن يزيد مرتبهم عن ٢٥٠ قرشا في الشهر، وكان ديوان المدارس أيضا يرسل أعدادا من روضة المدارس إلى أعيان البلاد ليقوموا بتوزيعها)(١١٧) .
وأما الدائرة الثانية التى توجه إليها الطهطاوى بكتابته" نهاية الإيجاز"- بما تنطوى عليه من تقديم شخصية الرسول (ص) بوصفه النموذج البطولى العربى الإسلامى- فهى دائرة السلطة والحاكم، وهذا ما يحتاج إلى إضاءة موسعة تكشف عن تحولات علاقة الطهطاوى المثقف بالسلطة وتأثيرها في تحولات بعض أفكاره.
إن الطهطاوى- كما وضعه غالى شكرى في إطار تصنيفه للمثقفين المصريين فى القرن التاسع عشر من منظور علاقة المثقف بالسلطة- يمثل نموذج" المثقف الشامل"؛ أى المثقف ذى الرؤية الشاملة الواعية بجوانب النهضة ووسائلها وغاياتها، وذلك في مقابل المثقف الداعية السياسى كعمر مكرم، والمثقف الخبير كعلى مبارك. وإذا كانت هذه الأنماط الثلاثة قد ولدت في رحم السلطة فإن الطهطاوى المثقف الشامل كان- فى صياغته" مشروع" (تحديث القوة الاجتماعية