للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما فرغ صلّى الله عليه وسلّم من حنين بعث عبيدا [أبا عامر الأشعري] لغزوة أوطاس لطلب دريد بن الصمة وأصحابه، فهزمهم وقتلهم، واستشهد أبو عامر رضى الله عنه بعد قتله جماعة منهم، وكان في السبى الشيماء أخته صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة، واسمها «حذافة» ، وإنما غلب لقبها، فلا تعرف في قومها إلا به «١» .

ولما هزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هوازن، وأمر بطلبهم، قال لجيشه: «إن قدرتم على بجاد- رجل من بنى سعد- فلا يفلتنّ منكم» ، فأخذته الخيل وضمّوه إلى الشيماء بنت الحارث (ويكني أبا ذؤيب كما يكنى بأبى كبشة) أخت النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأتبعوهم فى السباق، وتعبت الشيماء بتعبهم، فجعلت تقول: والله أخت صاحبكم، فلم يصدّقوها، فأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشدّ الناس على هوازن، فأتوا بها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا محمد إنى أختك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وما علامة ذلك؟ فأرته عضة بإبهامها، وقالت: هذه عضضتنيها وأنا متوركة بوادى السدر ونحن يومئذ نرعى بهم أبيك وأبي، وأمك وأمي، وتذكّر يا رسول الله حلابى لك عنز أبيك. فعرف رسول الله العلامة فوثب قائما فبسط رداءه، ثم قال: اجلسى عليه، ورحّب بها، ودمعت عيناه، وسألها عن أمه وأبيه فأخبرته بموتهما «٢» ثم قال: إن أحببت فأقيمى عندنا محبّبة مكرّمة، وإن أحببت أن ترجعى إلى قومك وصلتك ورجعت إلى قومك» قالت: بل أرجع إلى قومى. فأسلمت وأعطاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أعبد وجارية، وأمر لها ببعير أو بعيرين، وسألها من بقى منهم، فأخبرته بأخيها وأختها وبعمها، وأخبرته بقوم سألها عنهم، ثم قال: «ارجعى إلى الجعرانة تكونين مع قومك، فإني أمضى إلى الطائف» . فرجعت إلى الجعرانة،


(١) واسمها حذافة (بالحاء المهملة) ، ويقال: جذافة (بالجيم والذال المعجمتين) بنت الحارث، ولقبها «الشيماء» أو الشمّاء، وقد أكرمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جاءت مسلمة، فهي أخت النبى صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة، وصحابية جليلة رضى الله عنها.
(٢) كون أبيه وأمه من الرضاعة ماتا قبل ذلك غير صحيح؛ لأن حليمة السعدية رضى الله عنها (أمّ النبى صلّى الله عليه وسلّم من الرضاع) جاءت إلى النبى صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين أيضا فقام لها النبى صلّى الله عليه وسلّم وبسط لها رداءه، وأسلمت. وروى حديث الرضاعة عنها: أبو يعلي، وابن حبان في صحيحه، وفي «السيرة الكبري» لابن إسحاق، ورواه أبو داود، وابن منده وغيرهم، وصرّحوا فيه برواية عبد الله بن جعفر عنها، وأبوه من الرضاع أيضا أسلم بعد انتقال النبى صلّى الله عليه وسلّم، أسلم وحسن إسلامه.