للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالجعرانة، واجتمعت فيها الغنائم، وأتى إليه بعض هوازن ودخلوا عليه يستعطفونه، وقالوا: قد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، وإنّ فيمن أصبتهم الأمهات والأخوات، والعمات والخالات (يريدون: عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتى كن يكفلنك لأن مرضعته صلّى الله عليه وسلّم من هوازن) ونرجو عطفك. فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«إنّ أحسن الحديث أصدقه؛ أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فاختاروا إحدى الطائفتين، إما السبى وإما المال» ، فقالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا، اردد علينا نساءنا وأبناءنا، فهو أحب إلينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير. فردّ عليهم نصيبه ونصيب بني عبد المطلب، قائلا: «أما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا وقولوا: إنّا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في نسائنا وأبنائنا، فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم، فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظهر قاموا إليه فتكلموا بالذى أمرهم به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن أثنى على الله بما هو أهله: «أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء جاؤا تائبين، وإنى رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحبّ أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظّ حتّى نعطيه إياه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل، هؤلاء القوم جاؤا مسلمين، وقد خيّرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا، فمن كان عنده من النساء سبى وطابت نفسه أن يردّه فليردّه» ، قال الناس: رضينا وسلّمنا. فردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، ثم لحق مالك بن عوف مقدّم هوازن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم وحسن إسلامه، واستعمله في قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل، وكانت عدة السبى الذى أطلقه ستة الاف.

وروى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما عرض عليه سبى هوازن، كان ممن عرض عليه بنت حاتم الطائي، فقالت: يا رسول الله أنا بنت من كان يحمل الكلّ (أى الشيء الذى يحصل منه التعب) ويكسب المعدوم (أى يعطيه له تبرعا) ويعين على نوائب الزمان، أنا بنت حاتم الطائي، فمنّ عليها صلّى الله عليه وسلّم وردّ لها مالها: وقال:

«أكرموا عزيز قوم ذلّ، وغني قوم افتقر» ، فقالت: يا رسول الله وصويحباتي؟

فقال: «وصويحباتك، كريمة بنت كريم» فقالت: يا رسول الله أتأذن لى أن أدعو لك بدعوات؟ فأذن لها، وقال لأصحابه: أنصتوا وعوا، فقالت: «شكرتك يد افتقرت بعد غني، ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلبت نعمة عن كريم إلّا وجعلت