للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها، بل أعلم الناس بوجههم ليكون تأهّبهم بحسب ذلك، ومع هذا الاجتهاد في الاستعداد لم يلق فيها حربا، ولا افتتح بلدا، وذلك لأن أجلّ فتوح الشام لم يكن بعد، فانتسخ العزم بالقدر وبجفاف القلم «١» .

ورجع النبى صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وعلى المسلمين الوقار والسكينة من غير اضطراب عند انصراف العزيمة، وقد تقدم بعض ذلك «٢» .

* وفي هذه السنة هدم مسجد الضرار الذى ذكره الله تعالى في كتابه العزيز فى سورة براءة: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً ... [التوبة: ١٠٧] الاية أنزلت في جماعة من المنافقين بنوا مسجدا أيضا يضارّون به مسجد قباء، وكانوا اثنى عشر رجلا من أهل النفاق، وكانوا جميعا يصلّون في مسجد قباء، فبنوا مسجد الضرار ليصلّى فيه بعضهم، فيؤدّى ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة، ولما فرغوا أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يتجهّز إلى تبوك وقالوا: يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذى العلة والحاجة والليلة المطيرة الشاتية، وإنّا نحب أن تأتينا وتصلّى لنا فيه، وتدعو بالبركة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنى على جناح سفر، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا» ، ولما انصرف صلّى الله عليه وسلّم من تبوك ونزل ب «ذى ودان» (موضع قريب من المدينة) أتوه فسألوه إتيان مسجدهم، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم، فنزل عليه القران، وأخبره الله خبر المسجد الضرار وما همّوا به، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عامر بن عديّ، وعامر بن السكن، وقال لهم: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه» ، فخرجوا سريعا فحرقوه وهدموه، وتفرق عنه أهله.

وفي دخول هذه السنة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بالمدينة، قبل غزوة تبوك تتابعت الوفود من جميع الجهات؛ فإنهم كانوا منتظرين ما يقع له صلّى الله عليه وسلّم مع قومه، فلما حصل الفتح دخل الناس في دين الله أفواجا، وورد عليه عروة بن مسعود الثقفي، وكان غائبا عن حصار الطائف، فأسلم وحسن إسلامه فقال: أمضى إلى قومى وأدعوهم، فقال له صلّى الله عليه وسلّم: إنهم قاتلوك. فكان كما قال؛ حيث رمى بسهم في سطح بيته، وهو يؤذّن للصلاة، فمات، ومنع قومه من الطلب بدمه، وقال: «هى


(١) يقصد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جف القلم بما هو كائن» .
(٢) فى الأصل: «فى الفصل الرابع عشر من المقالة الرابعة من الجزء الأوّل» .