للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العاقب عبد المسيح (من كندة) وأسقفهم أبو حارثة بن بكر بن وائل، والسيد (الأيهم) ، وجادلوا عن دينهم، فنزل صدر سورة ال عمران، واية المباهلة، فقال لهم النبى صلّى الله عليه وسلّم يوم المباهلة عن أمر ربه ... تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «١» فقال عبد المسيح لقومه: «لا تباهلوا محمدا؛ فإني أرى معه وجوها «٢» لو أقسمت علي الله أن يزيل الجبال لأزالها، فتهلكوا إلى اخر الأبد» .

فأبوا المباهلة وأشفقوا منها، وسألوا الصلح، وكتب لهم به علي ألف حلة في صفر، وألف في رجب، وعلي دروع ورماح وخيل، وحمل ثلاثين من كل صنف، وطلبوا أن يبعث معهم واليا يحكم بينهم، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، ثم جاء العاقب والسيد وأسلما، وقد أشار إلى ذلك الصفيّ الحلّى في بديعيته، فى مبحث العنوان، حيث قال مشيرا إلى هذه القصة:

والعاقب الحبر من نجران، إنّ له ... يوم التباهل عقبي زلّة القدم

والمباهلة: الملاعنة، قال جرير:

لو أنّ تغلب جمعت أحسابها ... يوم التّباهل لم تزن مثقالا

وهذا البيت من النزاهة (نوع من الهجاء) ، وهى عبارة عن الإتيان بألفاظ غير سخيفة تكون من أحسن الهجاء الذى إذا أنشدته العذراء في خدرها لا يعدّ من مثلها قبيحا.

وهذه الواقعة مما يدل دلالة قطعية على نبوّته صلّى الله عليه وسلّم من وجهين: أحدهما أنه خوّفهم بنزول العذاب عليهم لوثوقه بذلك، وإلّا لأفحم إذا لم ينزل العذاب عليهم، وثانيهما أنّ تركهم مباهلته يدل على أنهم عرفوا من التوراة والإنجيل ما يفيد نبوته، وإلا لما أحجموا عن مباهلته، ويدل على تيقنهم هذا أنه قد نقل عنهم أنهم


(١) ال عمران: ٦١.
(٢) جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا، وفاطمة، والحسن، والحسين وقدّمهم أمامه، وجمعهم في كساء، وقال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي» فلما راهم العاقب رجع فزعا وقال ما قال.