قال السهيلى:«والحكمة في وضع خاتم النبوّة على جهة اليسار، أنه لما مليء قلبه إيمانا ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درّا، فجمع الله تعالى أجزاء النبوّة لسيدنا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتمّمه وختم عليه بختمه، فلم تجد نفسه ولا عدوّه سبيلا إليه من أجل ذلك الختم؛ لأن الشيء المختوم محروس، وكذلك تدبير الله لنا في هذه الدار، إذا وجد أحدنا الشيء بختمه زال الشك وانقطع الخصام فيما بين الادميين، فلذلك ختم ربّ العالمين في قلبه حتّى يطمئن له القلب الذى ألقى النور فيه، فظهر بين كتفيه كالبيضة» . انتهي.
واسع الجبين، عرقه أطيب ريحا من المسك، وفي وجهه تدوير، عظيم الفم، حسن الثغر، رائق الثنايا، فى أسنانه تفليج وتفريق، حلو المنطق، يتكلّم بجوامع الكلم، لا يضحك إلا تبسّما، إذا جلس مع أصحابه- رضى الله عنهم- فكأنما على رؤسهم الطير من حسن تواضعهم بين يديه صلّى الله عليه وسلّم، أزهر اللون، إذا مشى فكأنما تطوى له الأرض، وفي مشيته لا يلتفت وراءه، وإذا التفت التفت جميعا، حسن الوجه، حسن الصوت، خصوصا بتلاوة القران العظيم.
وقد جاوز نبينا صلّى الله عليه وسلّم المرتبة العليا من الفصاحة، فكان أفصح العرب لسانا وأوضحهم بيانا، وأعدلهم نطقا، وأسدّهم لفظا، وأبينهم لهجة، وأقومهم حجة، وأعرفهم بمواقع الخطاب، وأهداهم إلى طرق الصواب، تأييدا إلهيا، وحفظا سمائيّا، وعناية ربانية، ورعاية روحانية، حتى لقد قال [عليّ] رضى الله عنه وسمعه يخاطب وفد بنى نهد: «يا رسول الله نحن بنو أب واحد، ونراك تكلّم وفود العرب بما لا نفهم أكثره» ، فقال:«أدّبنى ربى فأحسن تأديبي، وربيت في بنى سعد» فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخاطب العرب علي اختلاف شعوبهم وقبائلهم، وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم، كلّ منهم بما يفهمون، ويحادثهم بما يعلمون، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم:«أمرت أن أخاطب الناس علي قدر عقولهم» فكأنّ الله تعالى قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره من بنى أبيه، مما تفرّق ولم يوجد في قاصى العرب ودانيهم.