للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضهم: يقال لمن يؤمر بالصبر: «اربط على قلبك حجرا» ، فكان صلّى الله عليه وسلّم يؤمر بالصبر ويأمر أمته بالصبر، حالا ومالا.

وفي كتاب السنن لسعيد بن منصور من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهم من أبغضنى وعصاني، فأكثر له المال والولد» .

اللهم من أحبنى وأطاعنى فارزقه الكفاف.

اللهم ارزق ال محمد الكفاف.

اللهمّ رزق يوم بيوم» .

ويناسبه ما أورده السلفى أن يهوديّا أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ادع لي» فقال «اللهم أصحّ جسمه، وأكثر ماله، وأطل حياته» «١» .

وورد في الجامع الصغير: «إنّ الله إذا أحبّ عبدا جعل رزقه كفافا» اهـ. قال العزيزي: أي بقدر كفايته، لا يزيد عليها فيطغيه، ولا ينقص عنها فيؤذيه؛ فإن الغنى مبطرة والفقر مذلة.

وأما اقتناعه صلّى الله عليه وسلّم باليسير وسؤاله ربه أن يجعل رزقه قوتا، ففى حديث ابن عباس رضى الله عنهما: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبيت الليالى المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء، فكان عامة خبزهم الشعير» .

وقد خيّره الله بين أن يكون نبيا ملكا وأن يكون نبيا عبدا، فقال: بل نبيا عبدا «ثلاثا» . فانظر إلى همته العلية كيف عرضت عليه خزائن الأرض فأعرض عنها وأباها، مع أنه صلّى الله عليه وسلّم لو أخذها لم ينفقها إلا في طاعة ربه، لكنه اختار العبودية المحضة، فيا لها من همّة شريفة رفيعة، ما أسناها، ونفس زكية كريمة ما أزكاها.

وقال البدر الزركشي: «لم يكن النبى صلّى الله عليه وسلّم فقيرا من المال قط، ولا حاله حال فقير» ، بل كان أغنى الناس، قد كفى أمر دنياه في نفسه وعياله. وكان يقول في


(١) لأن اليهود لا يحبون إلا ذلك، فدعا لهم بما يحبون: إن هم إلا كالأنعام.