صونها الرجال) (١٢٦) . ويقرن الطهطاوى فعل الكتاب بالحكمة ورجاحة العقل؛ فبالكتابة (والكتّاب قامت الرياسة والسياسة وإليهم ألقى تدبير الأعنّة والأزمّة)(١٢٧) .
ومن هذا المنظور الذى يعلى من فعل الكتابة كاشفا عن المهام الاجتماعية والسياسية التى يستطيع ذلك الفعل تحقيقها- احتفى الطهطاوى بمقولة ابن المقفع إن (الملوك أحوج
إلى الكتّاب من الكتّاب إلى الملوك، ومن فضل الكتابة أن صاحب السيف يزاحم الكاتب في قلمه ولا يزاحمه الكاتب في سيفه) (١٢٨) .
وإذا كان الطهطاوى قد قرن العدل بالتمدن، من ناحية، وجعل من الكاتب والحكيم مرشدا للحاكم وسائسا له من ناحية ثانية، فإن الدال الثالث الذى يتولد عن الدالين السابقين قد تبدى في سعى الطهطاوى- على ما يبدو بوضوح في" مناهج الألباب"- إلى تقديم أمثلة مختلفة من تاريخ مصر القديمة وغيرها من الدول تكشف عن انصياح الملك الحاكم للحكماء وعمله بنصائحهم ضمانا لبقاء الدولة وترسيخا للعدل (١٢٩) .
وقد أسس ذلك الدال الثالث لدال رابع أنشأه الطهطاوى بقران وصل فيه بين عدالة الحاكم/ الملك من ناحية، ودور الرأى العام، من ناحية ثانية، ووظيفة التاريخ من ناحية ثالثة، فكشف ذلك القران عن صورة من الجدل بين عدالة الحاكم التى تتجلى في أفعاله، وتأثيرها في الرأى العام بوصفه متلقيا لهذه الأفعال، ودور التاريخ بوصفه وسيلة سردية تبقى ذكر الحاكم أو تخمله؛ فمما يحمل الملوك على العدل (ويحاسبهم محاسبة معنوية الرأى العمومى أى رأى عموم أهل مملكتهم أو ممالك غيرهم ممن جاورهم من الممالك ( ... ) ومما يحاسب الملوك أيضا على العدل والإحسان التاريخ، أى حكاية وقائعهم لمن بعدهم من ذراريهم وخلفهم من الأجيال التالية، فإن المؤرخ يذكر للأمة أخبار ملوكها فينتقل من العين إلى الأثر ومن البيان إلى الخبر فيثبت محاسن الملوك ومثالبهم لأعقابهم ليعتبروا) (١٣٠) .