ويتصل أوّل هذه الدوال بما تكشف عنه قراءة" مناهج الألباب"(١٨٦٩) مقارنة بتخليص الإبريز (١٨٣٤) من بروز قيمة العدالة في الأوّل، بينما كانت قيمة الحرية هى السائدة والمسيطرة على خطاب الطهطاوى في الكتاب الثانى (١٢١) .
ويبدو حرص
الطهطاوى على تقديم قيمة العدالة في" مناهج الألباب" قرين الكشف عن تعدد جوانبها؛ فهى- من ناحية- أسّ قيام المجتمع وبقائه واستمراره، أو هى- حسب وصف الطهطاوى- أساس التمدن، فالعدل هو (الأصل في سعادة الممالك)(١٢٢) ، وهى- من ناحية ثانية- الأساس الذى في ضوئه تقام قوانين توزيع السلطة داخل مؤسسة الحكم؛ إذ (لما كانت السياسة جسيمة لا يقوم بها واحد اختص الملك بمعالى الأحكام وكلياتها وخلع بعض نفوذه في جزئيات الأحكام على المحاكم والمجالس وجعل لهم لوائح وقوانين خصوصية ترشد أفعالهم ولا يتعدونها. قال بعضهم ليست في الدنيا جمعية منتظمة ولا مملكة معتدلة الأحكام إلا وتكون القوة فيها بالأصول العدلية، فالأصول العادلة تصون ناموس الدولة عن الملامة)(١٢٣) . بينما يجعل الطهطاوى العدالة- من ناحية ثالثة- حقا تاما من حقوق الرعية إذ إن (مأمورية العدل أوّل واجبات ولاة الأمور وهو وضع الأشياء في مواضعها، وإعطاء كل ذى حق حقه والإنصاف بميزان القوانين)(١٢٤) .
وبقدر ما كان ذلك الدال الأوّل يقترن بسعى الطهطاوى إلى التأكيد على ترسيخ العدالة قيمة شاملة في تنظيمها المجتمع وتحديدها توزيع السلطة وكونها السمة التى ينبغى أن تحكم علاقة الحاكم برعيته- فإن الدال الثانى يتصل بالتصور الذى يطرحه الطهطاوى للعلاقة بين الكاتب أو المفكر والحاكم، ويكشف هذا الدال- عبر مجموعة من النصوص المنقولة التى" يجيد" الطهطاوى انتقاءها وتقديمها- عن إعلاء الطهطاوى لشأن الكاتب والمفكر على الحاكم، وهذا ما يتجلى في تكرار نقوله على شدة احتياج الحاكم إلى الكاتب والمفكر؛ فإذا كان (الكاتب مالك الملك يصرفه بقلم الإنشاء كيف يشاء)(١٢٥) فإن الكتاب هم (سياسة الملك وعماده وأركان السلطان وأطواده، بأقلامهم تبسط الأرزاق وتبيض الامال، وبها تصان المعاقل إذا عجزت عن