ونبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم هو خاتم الأنبياء ومتمّم رسالاتهم، وإنّا- وإن كان عليه الصلاة والسلام قد نهانا عن المفاضلة بين الأنبياء حتّى لا ننتقص من قدر أحدهم- نراه بلا مراء أعظمهم أثرا في تاريخ الإنسانية بما أرساه من مفاهيم وقيم روحية وعملية وأخلاق ومبادئ كانت أساسا لحقبة جديدة في طور الرقى الإنساني.
لذا كانت السيرة النبوية الشريفة أشرف وأطرف العلوم الإنسانية، وكان لها مكان الصدارة من علوم الدين؛ ذلك أن الإسلام رسالة ورسول يبلغها، وسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم رسول ورسالة بعث بها إذ وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: ٣، ٤] فارتبط تدوين السيرة المحمدية بسائر العلوم الدينية؛ من تفسير لاى الذكر الحكيم وعلم حديث وفقه وأصول دين وغيرها، أخذا وعطاء.
وللسيرة النبوية مصدران أساسيان: القران الكريم بما أورد من إشارات لبعض الأحداث النبوية، والحديث الشريف الذى ليس إلا مواقف نبوية إن قولا أو فعلا أو تقريرا، ثم تأتى مصادر أخرى- فرعية- هى اثار الصحابة ورواياتهم، ثم روايات غيرهم بعد تمحيصها وتدقيقها.
والمؤرخ للسيرة النبوية حين يشرع فيها يجمع شوارد هذه السيرة في ترتيب تاريخى معيّن في إطار العصر وأحداثه.
وللسيرة النبوية جوانب عديدة؛ فهي إلى جانب كونها تاريخ رجل: طفولته وصباه، وشبابه ورجولته إلى وفاته، فهى تاريخ عصر عاشه صلّى الله عليه وسلّم، وتاريخ رجال صحبوه واخرين عادوه؛ ففيها منهاج حياة في السلم والحرب، وهى حياته الخاصة في بيته مع نسائه التى علّمت الناس أصول العشرة واداب البيوت، وهى سيرة عشرته مع أصحابه وذويه التى علمت الناس أصول الصحبة والإخاء والمودة، وهى نظام اجتماعى متين: الأسرة نواته والتكافل رباطه، وهى نظام اقتصادى لا ضرر فيه ولا ضرار الخ ...
لذلك فإن من كتب من العلماء والحفّاظ في فن السيرة والتأريخ للنبى صلّى الله عليه وسلّم لم يستطيعوا الإحاطة بشتّى جوانبها على كثرتهم ولم يوفوه حقه صلّى الله عليه وسلّم.
فإنّ فضل رسول الله ليس له ... حدّ فيعرب عنه ناطق بفم