نعم ... لأن سيرة الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) التى ترسم خط حياته في الكفاح من أجل دعوته بالقول والفعل تقدم مشهدا رائعا لما سميته (أدب الاختلاف في الإسلام) وهو مشهد حدوده- أو لنقل مفرداته من جهة: لا إكراه في الدين، ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتى هى أحسن، ومن جهة أخرى: ولا تزر وازرة وزر أخرى، لكم دينكم ولى دين.
وهو- كما نرى- مشهد لا مجال فيه للمزايدة أو الغصب، أو التطاول على الاخرين والطعن عليهم، بل شعاره (امن الرسول بما أنزل إليه من ربه، والمؤمنون كلّ امن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله) ومع ذلك نتّهم نحن بالتعصّب ويدّعى الاخرون لأنفسهم صفة التسامح، وتلك هى المأساة الحقيقية في عالمنا الحديث، أعنى أدّعاء الأدوار، أو تبديلها وتبادلها عنوة وغصبا، الذئب يمثل دور الحمل، والحمل يورّط في دور الذئب، القاتل يظهر في دور الضحية، والضحيّة يفرض عليها دور القاتل.... وهكذا.
وتلك- مرة أخرى- هى المأساة، أو لنقل: المؤامرة التى نرجو أن يكشف حقيقتها ويفضح أبعادها نشرنا لكتاب في سيرة الرسول يحمل حقيقة موقفه من مخالفيه وكيفية تصرفه في نشر دعوته، مما كان وما يزال- هدفا للهجوم الظالم عليه من جانب مدعى السلام والتسامح، أولئك الذين فاتهم أن يستوعبوا الدرس الحقيقى ... درس الإسلام في أدب الاختلاف مع الاخرين.