عزيزى القارئ ... ذلك هو الدرس الذى تعلمناه من الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) درس فى أدب الاختلاف ولغته.. كيف تستمع لخصمك، وتفسح له صدرك وتمنحه فرصة التعبير عن رأيه وشرح موقفه، وبعد ذلك يكون من حقك الردّ، والردّ هنا بمعنيين: الجواب، والرفض، وأبعد درجات الرفض هو شعار (لكم دينكم ولى دين)(ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، دون عداء، هذا الدرس بسطه القران الكريم- كما سبق أن رأينا- وعرفه العرب في بعض أشعارهم- وطبقه الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) أحسن تطبيق، وكان (صلّى الله عليه وسلّم) أحفظ له وأكثر عملا به من هؤلاء الذين صدّعوا رؤوسنا بالكلام عن الحرّية والمساواة والعدالة و ... و ... إلخ وكنا نظن أنه قد جاء الوقت لتؤتى هذه الدعاوى ثمارها لينعم الإنسان بتأمل نفسه وما حوله ويملأ رئتيه من نسائم السلام والمحبّة، ولكن سرعان ما طلع علينا من يقول إنه سيشعلها حربا صليبية جديدة من جهة، ومن يدير اسطوانة مشروخة فى الهجوم على ديانات الاخرين ورموزها من جهة ثانية، مع إصرار عنيد وغبىّ على أن ما يقولونه وما يسعون إليه هو المساواة والمحبة والسلام والعدل.
وأنه الطريق إلى مصلحة الشعوب ورخائها. ويعجب المتأمل من درجة التناقض بين الأقوال والأقوال، وكذلك بين الأقوال والأفعال ... فالاحتلال أصبح يسمى تحريرا، وتدمير الشعوب: الأرض والديار والبشر- أصبح يسمّى خلاصا، وامتلاك أعنى الأسلحة وأكثرها فتكا واستخدامها عند اللزوم، وتحريم ذلك على الاخرين يسمى عدالة ومحافظة على السلام!!. وهكذا ...
عزيزى القارئ ... كنا قد اخترنا أن يكون كتاب الذخائر هو (نهاية الإيجاز فى سيرة ساكن الحجاز) الذى كتبه الطهطاوى بمناسبة شهر رمضان، وجاءت المهاترات الأخيرة في التطاول على شخص الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) ودعوته فأكدت سلامة اختيارنا.