على رغبة مفاوض أهل مكة الذى قال: لا أعرف الرحمن، ولا أقرّ بأنك رسول الله «ولو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك (محمد بن عبد الله) » فيقول النبى صلّى الله عليه وسلّم: «إنى لرسول الله، وإن كذبتمونى، وأنا محمد بن عبد الله، ثم يقول للكاتب: اكتب محمد بن عبد الله.
هذا على الرغم من اعتراض عليّ وأبى بكر وعمر، وغضبهم إلى قريب من الثورة، ولكنه أدب الاختلاف، فقد عرف صلّى الله عليه وسلّم أنه- وهو في موقف التفاوض مع من يخالفه في عقيدته- إنه ليس من حقه أن يفرض صفته، أو لغته الخاصة، على مخالفه، لذلك ارتضى لغة مشتركة يقرها خصمه ويوافق عليها، وإن كان في قرارة نفسه لا يرضاها.
وكم من مرة جاءته رجالات قريش يحاولون أن يثنوه عن دعوته بالتهديد تارة والترغيب أخرى، وكان يعلم سلفا أن عروضهم مرفوضة، ولكنه كان ينصت إلى ما يقولون ويستمع إليه ويناقشه ويرد عليه في موضوعيّة ورحابة صدر. وتحمل كتب السيرة الكثير من أخبار هذه المفاوضات، من أشهرها ما دار بينه وبين عتبة بن ربيعة الذى جاء إلى الرسول فقال:
«يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم ... فاسمع منى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها» .
ويقول الرسول: «قل يا أبا الوليد، أسمع ...
فلما فرغ عتبة قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) : أو قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم.
قال: فاسمع منى. قال: أفعل ... إلى اخر الخبر. [الخبر في سيرة ابن هشام ١/ ٢٩٣، ٢٩٤] .