وفي عام ١٢٤٠ هـ/ ١٨٢٤ م عين الشيخ رفاعة الطهطاوى واعظا وإماما لإحدى فرق الجيش المصرى النظامي، الذى كوّنه والى مصر «محمد علي باشا» ، فأدى مهمته على أكمل وجه.
لكن الشيخ رفاعة لم يمكث في الجيش إلا فترة قصيرة، إذ عند ما قرر محمد علي أن يوفد عددا من شباب مصر إلى باريس سنة ١٢٤١ هـ/ ١٨٢٦ م زيّن الشيخ حسن العطار للوالى أن يجعل لهؤلاء المبعوثين إماما يذكّرهم بالدين ويعظهم ويرشدهم، ويؤمهم في الصلاة، وأن يكون هذا الإمام هو الشيخ رفاعة الطهطاوي.
سافر الشيخ رفاعة إلى باريس إماما للبعثة، وبدأ في تعلم اللغة الفرنسية، وأقبل على دراسة العلوم المقررة على طلاب البعثة بأكثر مما أقبل عليها طلاب البعثة أنفسهم.
وكان تعمّق الشيخ رفاعة في دراسة اللغة العربية وإتقانها بالأزهر سببا في أن وجّهه المشرفون علي البعثة لإتقان اللغة الفرنسية ودراسة فن الترجمة، حتى يستطيع أن يؤدى نصيبه في النهضة العلمية والحركة الفكرية متى عاد إلى مصر، وذلك بترجمة العلوم المختلفة التى كان الوطن في أشد الحاجة إلى ترجمتها.
ولما كان فن الترجمة يحتاج من المترجم إلى معرفة بالعلوم التى سيترجمها من لغة إلى أخرى، نظمت للشيخ رفاعة دراسات في مختلف الفنون والعلوم، فقرأ كثيرا من كتب الهندسة، والرياضة، والعلوم، والتاريخ، والجغرافيا، والاجتماع، والعلوم العسكرية، والقانون وغيرها، وتمرّن على الترجمة، فقام بترجمة بعض الكتب الصغيرة، وبعض الفصول من الكتب الكبيرة التي أتمّ ترجمتها بعد عودته إلى مصر.
انتهز الشيخ فرصة وجوده في باريس، فأمعن النظر في كل ما راه، وتغلغل فى الحياة الفرنسية من جميع نواحيها، فعرف ما هو الدستور، وما هى الانتخابات، وعرف المدارس الفرنسية، ومجامع العلماء في باريس وأثرها في الحياة الفكرية.