للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى كل حال فالحذر كل الحذر من ذكر أبوي النبى) بما فيه نقص؛ فإن ذلك قد يؤذى النبى) ؛ لأن العرف جار بأنه إذا ذكر أبو الشخص بما ينقصه تأذّى ولده بذلك عند المخاطبة، كيف وقد روى ابن منده وغيره عن أبى هريرة قال: «جاءت سبيعة بنت أبى لهب إلى النبى) فقالت: يا رسول الله إن الناس يقولون: أنت بنت حطب النار. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مغضب، فقال: ما بال أقوام يؤذوننى في قرابتي، ومن اذانى فقد اذى الله!» وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات» «١» ولا ريب أن إيذاءه كفر، يقتل فاعله إن لم يتب، خصوصا وأن أبويه، ناجيان «٢» لأنهما من أهل الفترة، وأهل الفترة ناجون ولو عبدوا الأصنام، إلا أفرادا علم الله فيهم أمرا فحكم عليهم بالكفر كحاتم الطائي «٣» وامرئ القيس. (والفترة ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام) ، وقد دلّت القواطع على أنه لا تعذيب حتّى تقوم الحجة لقوله تعالى:

وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: ١٥] أو بإحيائهما له عام حجة الوداع حتي امنا بالله ورسوله. ونفع الإيمان بعد الموت من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم، وليس بممتنع عقلا وشرعا؛ فقد ورد في الكتاب العزيز إحياء قتيل بنى إسرائيل،


(١) وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تسبّوا الأموات فتؤذوا الأحياء؛ إن البذاء لؤم» (رواه الخرائطي في «مساويء الأخلاق، عن أم سلمة) .
(٢) وقد نظرت أمه إليه عند موتها وهو عند رأسها. ثم قالت:
بارك الله فيك من غلام ... يا ابن الذى من حومة الحمام
نجا بعون الملك العلّام ... فودى غداة الضرب بالسهام
بمائة من إبل سوام ... إن صحّ ما أبصرت في المنام
فأنت مبعوث إلى الأنام ... من عند ذى الجلال والإكرام
تبعث في الحلّ وفي الحرام ... تبعث بالتوحيد والإسلام
دين أبيك البر إبراهام ... فالله أنهاك عن الأصنام
ألاتواليها مع الأقوام
ثم قالت: «كل حي ميت، وكل جديد إلى بلي، وكل كبير يفني، وأنا ميتة وذكري باق، وقد تركت خيرا، وولدت طهرا، ثم ماتت. رواه أبو نعيم اهـ. من (موكب ربيع للحلواني ص ١٥٤) وهذا خبر ثابت في كل كتب السير. أليس هذا هو الإسلام بعينه؟
(٣) لا نعرف للمؤلف مصدرا في ذلك.