للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.

ومعنى أصب، أي: أمل، يعني يناجي ربه بقوله: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} يعني أميل إليهن، فدل على أن الميل مع كل أسبابه لم يحدث، ويدعو ربه أن يصرف عنه هذا الكيد الشديد، وفكيف يكون قد وقع منه هم، والميل نفسه لم يحدث إلى وقت مناجاته تلك؟ وهذه الجملة من المناجاة خبر مستعمل في التخوف. والوقع التجاء إلى الله تعالى، وملازمة للأدب نحو ربه بالتبرؤ من الحول والقوة والخشية من تقلب القلب، ومن الفتنة بالميل إلى اللذة الحرام التي قدم السجن عليها، فالخبر مستعمل في الدعاء، ولذلك فرع عنه جملة {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} (١).

وكذلك مما يدل على إبراء (تبرئه) يوسف - عليه السلام - لنفسه أنه لو وقع منه شيء من ذلك لبادر - عليه السلام - بالتوبة والاستغفار، ولأن الأنبياء إذا صدر منه شيء على خلاف مراد الله اجتهادًا منهم مثلاً - لأننا نقول بعصمتهم جميعًا بهذه الأدلة التي نسوق - استعظموا ذلك، وبادروا إلى الله تعالى بإظهار الندامة والتوبة وطلب المغفرة والتواضع حتى كأن ما حدث ذنب عظيم، كما حدث في قصة آدم - عليه السلام - في أكله من الشجرة لأنه لم يأكل منها مخالفة لله تعالى، وإنما اجتهاد منه ليكون من الخالدين عند الله تعالى، أو ليكون ملكًا مقربًا لديه، ومع ذلك جاء عنه وزوجه {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)}.

أما في قصة يوسف فلم يحدث من ذلك شيء أصلاً، فدل على أنه لم يقع منه هذا لا خطأ ولا اجتهادًا فضلاً عن الذنب والمعصية، بل على العكس جاءت كلماته التي حكاها القرآن الكريم عنه - عليه السلام - لتدل بوضوح على هذا المعنى، وذلك في قوله لإخوته بعد أن


(١) انظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٦٦/ ١٢).

<<  <   >  >>