به العزيز ليلصق التهمة بيوسف - عليه السلام - لتعلق به درء للتهمة عن عرضه، وللخيانة عن أهله، ولكنه قال:{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}، خاصة وعلامة الخيانة بادية عليها من تزينها وتهيئها بأعظم الزينة، وكيف يؤذيها وهو يجري عنها، وقد قُدَّ قميصه، ولم تسبق عليه - عليه السلام - أي أمارة من أمارات عبيد السوء.
ثانيًا: قوله: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} وهذا استئناف بياني، لأن ما حُكِيَ قبله من مقام الشدة على يوسف - عليه السلام - من شأنه أن يسأل سامعه عن حال تلقي يوسف - عليه السلام - لكلام امرأة العزيز بسجنه وصغاره إذا لم يفعل ما تأمره، وهذا الكلام مناجاة لربه الذي هو شاهدهم، ويحتمل أن جهر به في ملأهن تأييسًا لهن من أن يفعل ما تأمره به.
ولا يحتمل هذا النص من يوسف - عليه السلام - سواء كان مناجاة لربه، أو مواجهة لهن إلا أن يكون بريئًا من أي شين قبل هذه المناجاة، إذ كيف يناجي ربه الذي هو شاهده ومطلع عليه، وناظر إليه بما يعلم خلاقه منه. أي تجرؤ هذا، ويؤكد ذلك أنه واجه النسوة بتقديم السجن مع ما فيه من الألم والشدة وضيق النفس على ما يدعونه إليه من الاستمتاع بالمرأة الحسنة النفيسة؛ لأن ذلك مما يكرهه الله تعالى ويحرمه، فكيف يكون قد صدر منه شيء قبل ذلك يمكن أن يُعَيَّرَ به، أو أن يقال هلمَّ قد هممت من قبل أيها الناسك الشريف!؟ وهنا ملحوظة أخرى في النص، وهي إسناد فعل {يَدْعُونَنِي} إلى نون النسوة، على ضمير جمع الإناث مع أن التي دعته امرأة واحدة! وكأن ذلك لأن تلك الدعوة من رغبات صنف النساء، أو أن النسوة اللاتي جمعتهن امرأة العزيز لما سمعن كلامها تمالأن على لوم يوسف - عليه السلام - وتحريضه على إجابة سيدته وتحذيره من وعيدها بالسجن، وهذا مما يدل على ما كان فيه من الشدة والمقاساة - عليه السلام - ومدى تحفظه وصيانته وعفافه من قبل، وهذا يسلمنا إلى الثالث.
ثالثًا: من إظهار يوسف - عليه السلام - لبراءته، وهو قوله تعالى: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ