للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الالتفات البلاغي، وهو عزيز في كلام البليغ (١)، فالقرآن الكريم يبين بهذا الأسلوب البلاغي العزيز تبرئه يوسف والالتفات إلى المرأة باللوم والتقريع، وطلب الاستغفار، ونسبة المكر والكيد إليها، على أبلغ كلام وأحسنه.

أما بيان الشاهد في القضية فقد دل على براءة يوسف أيضًا.

وقد أوردناه هنا بعد بيان العزيز لكونهما في نفس الوقت، وكذلك لبناء العزيز حكمه ببراءة يوسف على كلام الشاهد، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)} [يوسف: ٢٦ - ٢٨].

هذا الشاهد بسياق القرآن رجل من أهل المرأة كان بصحبة زوجها العزيز، وسمي قوله شهادة لأنه يؤول على إظهار الحق في إثبات اعتداء يوسف - عليه السلام - على سيدته أو دحضه، وقوله: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ} إلى آخره، لما لم يكن له به سابق علم دل على أن الاستدلال بكيفية تمزيق القميص نشأ عن ذكر امرأة العزيز وقوع تمزيق القميص؛ تحاول أ، تجعله حجة على أنها أمسكته لتعاقبه، ولولا ذلك ما خطر على بال الشاهد أن تمزيقًا وقع، وإلا فمن أين علم الشاهد تمزيق القميص؟ والظاهر أن الشاهد كان يظن صدقها فأراد أن يقيم دليلاً على صدقها، فوقع عكس ذلك كرامة ليوسف - عليه السلام - (٢).

وهذا برهان لا ريب فيه على أن صدق يوسف - عليه السلام - ونزاهته لم يكن من ترتيب أحد إلا الله - سبحانه وتعالى - فما دُعوا إلى جلسة ومحاكمة وشهادة، واستعداد لتقديم البينات والمرافعات، بل


(١) انظر العلامة ابن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٥٨، ٢٥٩/ ١٢).
(٢) انظر العلام ابن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٥٧/ ١٢).

<<  <   >  >>