للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان ما أراد الله بحكمته في توها ولحظتها، مع قيام كافة جوانب القضية واضحة جلية، لا تحتاج لغير الحكم بالحق، وكان من تمام توفيق يوسف - عليه السلام - وحفظ الله له، أن جاء القميص شاهدًا له، من حيث أريد أن يكون الشاهد عليه، لو حاول البشر أن يرتبوا محكمة وشهادة وواقعة على هذا النحو لما تمكنوا، إلا محاكاة وتمثيلاً لها.

أما بيان تبرئة النسوة ليوسف - عليه السلام - فكما يلي:

أولاً: وهو قول النسوة لما رأين يوسف - عليه السلام - وهن متكئات، وقد أمرته امرأة العزيز بأن يخرج عليهن وقطعن أيديهن: {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} على إعمال {مَا} بمعنى ليس في لغة أهل الحجاز، تنزيهًا لله سبحانه عن صفات النقص والعجز، وتعجبًا من قدرته على هذا الصنع البديع، ونفيًا للبشرية عنه؛ لما شاهدن فيه من الجمال العبقري الذي لم يعهد مثاله في البشر، وقصر ذلك على الملك بقولهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} بناء على ما ركز في العقول من أن لا حي أحسن من الملك، كما ركب فيها أن لا كائن أقبح من الشيطان، فوصفهن بأنه ملك لا شك يدل على مفارقة الشيطان، وهو وصف كريم يدل على جميل الصفات، وأحاسن الشيم، التي تدل على أن مثله ليس أهلاً لسوء الشيطان، ولا الأعمال اللائقة بالشيطان وهذه تبرئه واضحة لم يتمالكن أنفسهن عنها حيث خرجن عن الأفعال الاختيارية بتقطيع أيديهن عند رؤيته، وقولهن ذلك.

ثانيًا: قول النسوة عن إحضار الملك لهن وسؤاله إياهن {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}، و {حَاشَ لِلَّهِ} مبالغة في النفي والتنزيه، والمقصود: التبرؤ مما نسب إليهن من المراودة، وجملة {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} كما يقول الأصوليون نكرة في سياق النفي فتعم كل سوء أي ما علمنا عليه أي سوء، ومن للتبعيض، ومعناه كائنًا ما كان السوء ولو صغيرًا، وهو يدل على أنه لم تقع منه كذلك أي مراودة، لأن

<<  <   >  >>