الحالتين منه أو منهن من أحوال السوء، والجملة جامعة لنفي ذلك كله، وقد أشرنا إلى ذلك بنفي العلم وهو كناية عن نفي دعوتهن إياه إلى السوء، ونفي دعوته إياهن إليه؛ لأن ذلك لو وقع لكان معلومًا عندهن، وفي ذلك أبلغ الأدلة على تبرئة النسوة ليوسف - عليه السلام - بعدم العلم، وعدم الوقوع.
وأما شهادة الله تعالى ببراءة يوسف - عليه السلام - فمن أوجه:
الأول: في قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. الكاف منصوب المحل، وذلك إشارة على التثبيت اللازم له، أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه، لنصرف عنه السوء على الإطلاق فيدخل فيه الهم، وخيانة السيد، وكافة وأنواع السوء كافة لكون السوء هنا معرفًا فيشمل كل سوء، وكذلك الفحشاء لأنها مفرطة في القبح، وقول الله تعالى ذلك آية بينة، وحجة قاطعة على أنه - عليه السلام - لم يقع منه همٌّ بالمعصية ولا توجه إليها قط، وإلا لقيل لنصرفه عن السوء والفحشاء، وعما يتوجه إليه من السوء وغيره من الخارج فصرفه الله تعالى عنه بما فيه - عليه السلام - من موجبات العفة والعصمة، ولذلك عقب بقول:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ليعلل ذلك الصرف عنه، فهو تعليل لما سبق من مضمون الجملة بطريق التحقيق.
وقد قرئ المخلصين بصيغة المفعول وصيغة الفاعل، فأما صيغة المفعول فهم الذين أخلصهم واصطفاهم الله تعالى لطاعته بأن عصمهم عما هو قادح فيها، وصيغة الفاعل وهم اللذين أخلصوا دينهم لله - سبحانه وتعالى -، وعلى كلا المعنيين فهو - عليه السلام - منتظم في سلكهم داخل في زمرتهم، والتعبير بالجملة الاسمية والتأكيد دليل على كونه كذلك من أول أمره، لا أن ذلك حدث له بعد أن لم يكن كذلك، فانحسم بذلك مادة احتمال صدور الهم بالسوء منه - عليه السلام -