للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالكلية (١).

الثاني: أن قوله - سبحانه وتعالى -: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ثناء ومدح من الله تعالى ليوسف - عليه السلام - سواء في اجتباء الله واصطفائه السابق له، أو في إخلاص يوسف - عليه السلام - لربه جل وعلا، ولا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة فيها كل الصفات السيئة التي أشرنا إليها من قبل، ثم يمدحه ويثني عليه بأنه من المصطفين الأخيار، أو الذين أخلصوا دينهم لله تعالى (٢) فدل ذلك على أن يوسف لم يصدر منه شيء.

الثالث: في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)} ونركز على المراد من الكلام الذي يؤيد ما نقول وهو في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} وذلك بعد قوله: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} وهذا السياق يدل على أن يوسف - عليه السلام - كان مستعصمًا طاهرًا منزهًا، وزادت عليه الضغوط من كل الجوانب وبكافة الأساليب فلجأ إلى الله تعالى ليصرف عنه ذلك الكيد، وهو علم من سنة الله تعالى معه من قبل صرف السوء والفحشاء عنه، فاستجاب له ربه، والفاء للتعقيب، ودل على أن قوله: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي} دعاء بطلب ذلك، ترى استجابة الله له بهذه السرعة بعد وقوعه في الهم والمراودة، وغير ذلك، أن ذلك دليل من الله تعالى على تبرئة يوسف - عليه السلام - بسرعة إجابته، وصرف الكيد والمكر، وتلك الشدائد عنه، وزيادة تثبيت قلبه في مواقف الزلزلة تلك، وما يكون ذلك الصرف والإجابة إلا لطاهر يريد العصمة، لا متلوث قد وقع في الذنب، إذ الواقع في ذلك يصرف عن السوء والفحشاء، لا تصرف عنه


(١) انظر أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٩٦/ ٣).
(٢) انظر الفخر الرازي "التفسير الكبير" (٢٦/ ٩).

<<  <   >  >>