الفحشاء والمكيدة بإيقاعه في ذلك، والتعبير بالكيد يدل عليه إذ هو محاولة المخاتلة بيوسف لإيقاعه، لا أنه تحقق وذلك ظاهر بتأمل السياق ومقارنته وتحليله.
وثمة شيء آخر تبينه الآية الكريمة وهو تلك الصلة بين يوسف - عليه السلام - وربه جل وعلا، إذ تدل على قلب موصول بالله تعالى، بينه وبين ربه عمار، يدعوه ويتضرع إليه، فيسارع إلى إجابته، بل ويدعوه بما يدل على كمال ثقته في ربه، ووفور إقباله عليه ومحبته له:{وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} من ذا الذي يقول لله تعالى: وإلا تصرف عني كذا وكذا أقع في كذا، وكذا فيستجيب له، إلا وقلبه مفعم باليقين التام في الإجابة بأن ينجيه مما وقع فيه، ترى تلك قلوب العصاة المذنبين، إن أقصى أملهم أن يغفر لهم، ويتوب عليهم، أم هي قلوب العارفين بالله الذين هم في الدرجة العالية من توحيده وطاعته، وكذلك في إضافة الرب لضمير يوسف {لَهُ رَبُّهُ} دليل عناية الرب بمربوبه، ورعايته له جل وعلا، وإظهار شأنه في انتسابه إلى الله تعالى بمعنى الربوبية.
الرابع: وهو قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)} [يوسف: ٥٦ - ٥٧]، والكاف هنا منصوبة بالتمكين، وذلك: إشارة إلى ما تقدم يعني ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا به على يوسف في تقريبنا إياه من قلب الملك، وإنجائنا إياه من غم السجن نمكن له في الأرض، أي نقدره على ما يريد، وان ينزل منها أي منزل أحب لا يدافعه أحد ولا ينازعه منازع، والمقصد من ذلك أن الله مكن ليوسف - عليه السلام - في الأرض، وما كان هذا التمكين الجاري على سنة الله في كونه إلا لأنه كما أفاد السياق من المحسنين، وأن الله لا يضيع في الدنيا أجرهم، وهذا أكبر دليل على أن يوسف كان وما زال حين تبوأ هذا المركز من الله تعالى محسنًا، ولو صدق على يوسف - عليه السلام - بأنه وقع في شيء مما ذكره الجهال لكان ذلك تكذيبًا لله في حكمه على يوسف - عليه السلام - بالإحسان وهو عين الكفر بالله، ولكان ذلك