شهادة على الله تعالى - حاشا لله - أنه يمكن للعصاة له ويمدحهم بذلك، وأنه يكافئهم على مخالفته بالتمكين لهم في الأرض.
ويزيد على ذلك ما أعده له في الآخرة في قوله تعالى: {وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)} وهذا يدل على أمرين:
الأول: أن يوسف - عليه السلام - وصل إلى المنازل العالية والدرجات الرفيعة في الدنيا، إلا أن الثواب الذي أعده الله له في الآخرة خير وأفضل وأكمل.
الثاني: أن المراد من الآية كذلك شرح حال يوسف - عليه السلام - فوجب أن يصدق في حقه أنه من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وليس ها هنا زمان سابق ليوسف - عليه السلام - يحتاج إلى بيان أنه من المتقين إلا ذلك الوقت الذي قال فيه تعالى:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} هذا شهادة من الله تعالى أنه كان في ذلك الوقت من المتقين، فأنى يكون ذلك الهم وغيره منه.
وتضاف هذه إلى شهادة الله له بأنه من المحسنين ومن المخلصين (١)، فثبتت براءة الله تعالى له، بهذه الشهادات الإحسان والإخلاص والتقوى، وماذا بعد؟
وهناك وجوه كثيرة أخرى في تحليل الآيات نكتفي بهذا القدر منها لتبيين المطلوب.
وأما بيان أن إبليس أقر بطهارة يوسف - عليه السلام - وبراءته فهو في قوله تعالى: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [ص: ٨٢ - ٨٣] فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ويوسف - عليه السلام - قد مدحه الله تعالى بقوله:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فكان هذا إقرار من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى.
(١) انظر الفخر الرازي "التفسير الكبير" (٩٠، ٩١/ ٩).