يقول الإمام الرازي (١) عن ذلك: وعند هذا نقول للجهال الذين نسبوا إلى يوسف - عليه السلام - هذه القضية إن كان من أتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله على طهارته، وإن كان من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته، ولعلهم يقولون: كنا في أول الأمر تلامذة إبليس إلى أن تخرجنا عليه في السفاهة، كما قال الخوارزمي:
وكنتُ امرءًا من جُندِ إبليسَ فارْتَقَى ... بيَ الدهرُ حتى صارَ إبليسُ من جُندي
وإذ قدمنا بهذه المقدمة لتكون بين يدينا في التدليل على عصمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذلك لتكون الأصل الثابت، والأساس الراسخ المتين في اعتقاد عصمة الأنبياء، وعلو منزلتهم بهذه القواطع من النصوص القرآنية، التي تقوم عليها هذه الدارسة، وندخل منها إلى إثبات عصمة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من باب الأولى، وكذلك بدراسة وتحليل ومقارنة بقية الآيات النازلة في حقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع رد كل ما أثير من شبهات إلى هذه النصوص الراسخة لتتضح الصورة كاملة في هذه القضية، وتظهر بها الجديد من منهج البحث، وهو المقارنة بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين الأنبياء السابقين.
ونبدأ ببيان عصمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الذنوب كافةً، صغيرها وكبيرها، بعد البعثة وقبل البعثة، وكذلك عن ما يمكن أن يقع قبل البعثة فيكون مشينًا بعد البعثة، وذلك من حيث انتهى الكلام السابق وهو أن إبليس قد أقر بطهارة يوسف - عليه السلام - وعليه فإن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس للشيطان عليه سبيل البتة، فإذا كان إبليس فيما حكي القرآن الكريم عنه يقول: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} فإن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلى الأنبياء درجة، بل
(١) انظر الفخر الرازي "التفسير الكبير" (٩٠، ٩١/ ٩).