للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتوحيدهم لله تعالى (١)، ورسول الله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو أول المصطفين الأخيار، والمجتبين الأبرار، وهو أتقاهم لله تعالى، وأشدهم إخلاصًا لهم، ولا شك أنه أول السالمين من كيده وإغوائه (٢)، وهذا ما ينقلنا إلى ما ذكر المولى سبحانه عن عباده، وعن حفظه لهم من كيد الشيطان حيث قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)} [الحجر: ٤٢] أي أن عبادي ليس لك عليهم تصرف ولا تسلط، وهم المشار إليهم سابقًا بالمخلصين، وقد أكدت حقيقة الجملة (إنَّ والجملة الاسمية)، ونفي السلطان بالتنكير ليفيد أنه ليس له عليهم أي سلطان، صغيرًا كان أو كبيرًا.

وتصدير الجملة بعبادي يشمل أول ما يشمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه أعلى العباد مقامًا في العبودية، حيث جاء التشريف بذلك من ربه - سبحانه وتعالى - في كافة الأحوال التي تبين فخامة منزلته، فذكر بذلك في الإسراء فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: ١] وفي مقام التحدي لإثبات النبوة بإعجاز القرآن الكريم فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] وفي مقام الدعوة إلى توحيد الرب - سبحانه وتعالى -: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)} [الجن: ١٩] وفي إنزال الفرقان عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١] فرأينا هذه الآيات الكريمات علاوة على تشريفه بمقام العبودية لله تعالى، تشير إليه بأعظم الإضافات وأكملها إلى الله تعالى مثل بعبده، وعبدنا، وعبد الله، وما تعنيه تلك الإضافات وتنوعها باختصاصه بذلك وعلو درجته في عبودية الله تعالى، مما يوضح لنا أن تلك الدرجة أعلى الدرجات التي لا سبيل للشيطان على صاحبها، مما يؤكد


(١) انظر أبا السعود "إرشاد العقل السليم (٢٢٨/ ٣).
(٢) وقد ورد في حديث ابن مسعود رضى الله عنه الذى رواه مسلم (٥٠٣٤) قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (... إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير).

<<  <   >  >>