للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عصمته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أي غواية من غواية الشيطان.

مع ملاحظة أخرى في الآية في قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)}، وهي أن الغواية وقعت باختيارهم حيث اتبعوا الشيطان بمحض إرادتهم، وذلك لا يقع للأنبياء - عليهم السلام - أن يختاروا اتباع الشيطان؛ إذ ينافي ذلك عبوديتهم لله تعالى، وخلع عبودية ما سواه ويزيد في إيضاح ما سبق من آيات تبين عصمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كيد الشيطان وتسلطه، قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)} [النحل: ٩٩] وذلك بعد قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} فقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} تعليل للأمر بالاستعاذة، لأنها تمنع من تسلط الشيطان على المستعيذ لأن الله منعه من التسلط على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، وجملة {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)} صفة ثانية للموصول، وقدم المجرور على الفعل للقصر، أي لا يتوكلون إلا على ربهم، وجعل فعلها مضارعًا لإفادة تجدد التوكل واستمراره، وعطف الجملة دون إعادة اسم الموصول للإشارة إلى أن الوصفين كصلة واحدة لموصول واحد، لأن المقصود اجتماع الصلتين، فنفي سلطان الشيطان مشروط إذًا بالأمرين: الإيمان والتوكل، ومن هذا تفسير لقوله تعالى في الآية الأخرى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.

ويكون المعنى: أن الإيمان مبدأ أصيل لدفع سلطان الشيطان في نفس المؤمن، فإذا انضم إليه التوكل على الله اندفع سلطان الشيطان عن المؤمن المتوكل.

ولا حاجة بنا أن نقرر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم المؤمنين إيمانًا، بل لا يتم إيمان أحد بالله إلا بالإيمان بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكل توكل في المؤمنين إنما هو من جراء تعليمه قولاً وفعلاً، وكما قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٤٨)} [الأحزاب: ٤٨] وفي الحديث: «عبدي

<<  <   >  >>