للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورسولي سميته المتوكل» (١) وآيات القرآن الكريم مليئة بالكلام على التوكل والمتوكلين, الذي يؤكد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو معلمهم التوكل كما علمهم الإيمان وغيره من أمور الدين اعتقادًا وعملاً وسلوكاً.

وإذا أشرنا إلى ما يوضح عصمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من كيد الشيطان وتسلطه, نأتي إلى ما يتعلق بوسوسة النفس, أو بأمرها الإنسان بالسوء, ترى ينطبق على الإنسان المؤمن الكامل فضلاً عن الرسل - عليهم الصلاة والسلام - أن توسوس له نفسه بما يخالف الشرع, ويوقع في غضب الرب - سبحانه وتعالى - , أو في التقصير في حقوقه, لنرجع إلى قصة يوسف - عليه السلام - ننظر فيها ما يتعلق بالنفس، ومدى حملها الإنسان على المخالفة، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)} [يوسف: ٥٣].

ظاهر ترتيب الكلام أنه من كلام امرأة العزيز (٢)، مضت في بقية إقرارها فقالت: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} وذلك كالاحتراس مما يقتضيه قولها عن يوسف - عليه السلام -: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} من أن تبرئة نفسها من هذا الذنب ادعاء بالبراءة العامة فقالت: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}، فالواو استئنافية، والجملة ابتدائية، وجملة: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} تعليل لجملة {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}، أي لا أدعي براءة نفسي من ارتكاب الذنب؛ لأن النفس كثيرة الأمر بالسوء، ثم


(١) انظر الطاهر بن عاشور (٢٧٨، ٢٧٩/ ١٤)، والحديث رواه البخاري (١٩٨١) عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما.
(٢) انظر العلامة بن عاشور "التحرير والتنوير" (٥/ ١٣)، والاحتمال الثاني في الآية - وقد ذكره جمع من المفسرين منهم ابن عاشور نفسه - أنه من كلام يوسف في قوله "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" وهذا لا يستقيم مع ما قدمنا من أن العزيز في وقتها قال ليوسف: "أعرض عن هذا" وقال لزوجه: "واستغفري لذنبك" فأين عدم علمه بخيانة يوسف، بل هو متأكد من خطأ زوجه أمام يوسف، وبراءة يوسف في نفس الآن، وكان يوسف عليه السلام في السجن والنسوة في حضرة الملك، فكيف يصح؟!.

<<  <   >  >>